
أقفاص فارغة: رحلة مع متاهات الذات والزمن
بقلم: إيمان أبو شعبان/ فلسطين
الرواية التي نحن بصددها اليوم، رواية “أقفاص فارغة” للكاتبة فاطمة قنديل.
عندما اخترت الحديث عن قضية السرد في الرواية، شعرت أني في مأزق، ذلك أن السرد هو كلمة جامعة لكل مفردات الرواية. وقد اختلف النقاد في تعريف ماهية السرد.
فيرى (جيرار جينيت) أن السرد هو تمثيل للأفعال والأحداث داخل الرواية.
أما سعيد يقطين، فيرى أن السرد قد يحتمل تدخل السارد في الرواية حيناً وعدم تدخله حيناً آخر بترك المجال للشخصية لتسرد مالديها.
في حين يرى رولان بارت أن السرد هو متتالية لامتناهية يفرض حضور الزمان والمكان.
عندما قرأت الرواية، التي هي عبارة عن سيرة ذاتية للكاتبة، شعرت أنها تتضمن جميع مرتكزات الرواية، كما أنها مجموعة كبيرة من القصص القصيرة حول شخوص الرواية الشخوص الأساسية والشخوص الثانوية. وهذا أمر يُحسب للكاتبة.
ومن أهم الإشكاليات في الرواية قضية السارد أو الراوي. في هذه الرواية، السارد أو الراوي يعتبر الراوي العليم على اعتبار أن الرواية تعتبر سيرة ذاتية. فالراوبة كانت على علم بكل تفاصيل الرواية فهي قصتها وقصة أخوتها.
وقد شعرت في بعض مواضع البراءة أن الراوية كانت ترمم الرواية بتفاصيل قد لاتكون واقعية أو حقيقية ليستقم سمت الرواية ولاينقطع سيلها وتسلسلها وللزمان والمكان كذلك وظيفة مؤثرة في هذه الرواية في إطار السرد.
فالراوبة قد حولت الزمان المجرد إلى فضاء ملموس تتحرك فيه الشخصيات وتمنح أبعادًا وتداعيات للأزمنة والتاريخ الطويل الذي هو عمر الكاتبة وأعمار أفراد عائلتها وبعض الشخوص المحيطة كما منحت الأمكنة المختلفة والكثيرة روحًا وحياة كالبيوت والمستشفيات وأماكن العمل وبيوت الأقارب.
ود بدا واضحًا استخدام تقنيات الاسترجاع والاستباق في الرواية وذلك فيما يخص الأحداث وأزمنتها وقد أوجدت الكاتبة روابط منطقية في الغالب بين أحداث الرواية من حيث التسلسل الذي سارت فيه بشكل متعرج.
وبما أن الرواية هي عبارة عن سيرة ذاتية فموضوعها الموحد هو سيرة حياة الكاتبة بكل ما تحويه من متناقضات وعلاقات منطقية. فقد صورت الكاتبة حياتها منذ ولادتها في مدينة السويس وحتى تخطيها سن الستين كما برعت في توصيف حياة جميع أفراد أسرتها والدها ووالدتها. التي خصصت لها مساحة كبيرة جدًا في الرواية خاصة فيما يتعلق بتفاصيل مرضها حتى وفاتها.
وكان لشقيقيها نصيب لابأس به من مجريات الرواية شبابهما واغترابهما وشيخوختهم وموت شقيقها الأصغر وتلاشي دور شقيقها الأكبر وإيداعه في دار المسنين.
ومما لاشك فيه أن الكاتبة ضمنت الرواية وجهة نظرها الشخصية في جميع أحداث الرواية وصورت مشاعرها تجاه الأشخاص والأحداث من خلال الصوت الداخلي لها كروائية. ورغم أن الكاتبة شاعرة قبل أن تكون روائية إلا إن اللغة الواقعية قد غلبت على جل الرواية.
أما عن حبكة الرواية فكانت الراوية هي مركز الأحداث وتجميع حبكتها وقد نجحت الكاتبة في خلق عنصر التشويق وتجميع خيوط الشخصيات وتشكيلها من وجهة نظرها.
وقد لاحظت عنصر التلخيص كأداة من أدوات السرد فكانت معظم قصص شخوص الرواية مختصرة ومركزة لتنتقل إلى قصة شخصية أخرى وهكذا دواليك.
لاحظت كذلك أن الراوية أو الكاتبة كانت أحيانًا تحذف مساحات زمنية كبيرة وتعود إليها ثانية.
وبما أن عنصر الوصف من أساسيات السرد فقد التزمت به الكاتبة حينًا في وصف الأشخاص والأماكن والمشاعر وأغلقتها حينًا.
أما عن استخدام التقنيات الحديثة في السرد كاستلهام الأساطير والخرافات وانتحال شخصيات أخرى فلم ألحظه بوضوح في الرواية.
كان واضحًا رغم استخدام تقنيات الاستباق والإسترجاع أن معالم الأزمنة والأماكن كانت واضحة وكان التسلسل المنطقي جليًا في الرواية.
أي أن الكاتبة في الغالب لم تستخدم التقنيات الحديثة في السرد إلا بشكل يسير جدًا ربما يكون كتابة السيرة الذاتية.
وقد لاحظت في الرواية السرد التسلسل والسرد المتقطع والسرد المتناوب بحيث تسرد قصة أحد الشخصيات مثلا في مرحلة معينة ثم تنتقل فجأة إلى سرد قصة لشخصية أخرى في مرحلة معينة دون مقدمات لشارك القارئ في التفكير والإستنتاج.