مجتمع

أميرة: أجندات أم إثارة جدل 

أميرة: أجندات أم إثارة جدل

بقلم: صفاء حميد 

في الأسر ثمة أمل واحد، فكرة واحدة، انتصار واحد، وهو الاستمرار في الحياة، أن تظلَّ قادراً على الحفاظ على حياتك، رغم محاولات السَّجَّان لدفعك نحو الموت حياً، بإفقادك الرغبة في الاستمرار.

لذا كان سلاح الأمل هو كل ما يملكه الأسير قبل عام 2012، أما بعد هذا العام المبارك، عام ولادة “مهند” أول طفل يولد من نطفة مُهرَّبة، فقد انفتح أمام الأسرى ما هو أقوى من مجرد بقائهم أحياء، إذ صار بإمكان الأسير أن يطمح إلى ترك أثر له خارج حدود الزنزانة، وأن يزرع بذرة في رحم زوجته، لتنجب له صبياً أو بنتاً، وكلُّ هذا رغم أنف السَّجَّان الذي لا يريد للأسير إلا أن يبقى تحت سلطته بأن يجعله يعاني من التشكيك في جدوى حياته كلِّها.

النطف المُهرَّبة، إحدى وسائل المقاومة، وهي مشعل أمل جديد حمله العلم إلى الأسرى فأشعلوا به حياة أوشكت على الانطفاء.

أما في فيلم “أميرة”، فقد كُسِّرت تلك الفكرة البيضاء النقية، وبطريقة ممنهجة وذكية لا تخلو من خبث الرغبة في إثارة الجدل.

الفيلم الذي يتطرق إلى قضية النطف المُهرَّبة؛ إحدى القضايا التي ظلت بدورها جدلية فترة من الوقت، قبل أن يجزم بكونها قضية بقاء ومقاومة. حيثُ يحاول أن يأخذ المشهد إلى زاويةٍ جديدة، زاوية احتمال الخطأ والصواب، فيُدخل نفسه في لعبة قد يجني منها كل شيء أو لا يجني منها شيئاً.

فحين تكبر الطفلة في الفيلم، والتي ولدت من نطفة مُهرَّبة لوالدها الأسير، تكتشف أنَّ النطفة لم تكن للأسير حقاً بل تم تبديلها عن قصد بنطفة سجَّان إسرائيلي، ليثير الفيلم بهذه النقطة جدلاً لا ينتهي.

لا أكتب هنا لأُلقي التُّهم جُزافاً، أو أسِمَ منتجي الفيلم وممثليه بتعمد تشويه صورة نقية لفكرة مقاومة بحتة، ولا أكتب كذلك لأدافع عن فكرة الفيلم التي تعدُّ جديدةً في الطرح وجريئة، بل أكتب لأقول: إنَّ سعي الأفلام لإثارة الجدل لا يفلح دائماً، ففي قضايا من نوع قضية النطف المُهرَّبة، تمسُّ جوهر الصراع بين الأسير وسجَّانيه، وتتسع لتمسَّ جوهر الصراع بين الفلسطيني وعدوه؛ يصير استعمال إثارة الجدل نوعاً من الإساءة الواضحة لمعتقدات شعب بأكمله، بل وشعوب بأكملها، فالناس على امتداد الوطن العربي يُجمِعون على أي فكرة مقاومة ويرفضون تقبُّل ما يعاديها، أما والحال أن فكرة مطروحة في فيلم لا تكتفي بسحب قضية كهذه نحو مشهد مختلف، بل وربما عن قصد أو عن غير قصد، تحمل القضية كاملة لتضعها في معسكر الأعداء.

تباينت الآراء مؤخراً حول هذا الفيلم، وحاولت الجهات المعنية إيقافه بشتى وسائل الضغط، وقد أسفرت الضغوط عن قرارات هامَّة، كان من أهمِّها سحبه من الترشيح للأوسكار مما أثار حفيظة منتجيه، وجَعَلَهم يحاولون تبرير مقاصدهم بمبررات سطحية كقولهم: إنها فكرة خيالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى