ملفات اليمامة

أهمية المسرح لغزة بعد الدمار النفسي: حوار خاص مع مصطفى النبيه.

أجرى الحوار: خضر جندية

المسرح أبو الفنون كما قال اليونانيون القدماء انطلاقًا من جوهره كونه يهدف للتطهر من ما بداخل الإنسان من هموم وأحزان ويوصل الفكرة إلى الجمهور بسرعة وإقناع، بذلك نحن الفلسطينيون بحاجة للمسرح وللفنون عمومًا للتعبير عن جوهر صراعنا مع المحتل ونعلي صوتنا في ظل حالة التفرد بالرواية من قبل الاحتلال الصهيوني ومؤسساته عالميًا، وفي قطاع غزة البؤرة الجغرافية صغيرة المساحة كثيفة السكان كثيرة المعاناة في شتى مناحي الحياة، وقد توالى عليها العدوان الصهيوني في أقل من عشرة أعوام ثلاث مرات قاسية خلفت رعبًا متغلغلًا في النفوس واختلال في شتى المجالات والحيوات النفسية والاجتماعية والاقتصادية ما يوجب وجود متنفس لأهل القطاع المحاصر يرفهون به عن أنفسهم وحاجاتهم وإن الفن وبخاصة المسرح أهل لهذا الهدف.

حاورنا في صحيفة اليمامة الجديدة “مصطفى النبيه” الكاتب والمخرج الفلسطيني ليخبرنا عن حالة المسرح في غزة وفلسطين عمومًا وسبل تطوير ودعم الأعمال والمؤسسات الفنية، وجاء الحوار على النحو الاتي:

أهمية المسرح وأثر غيابه:

  • أين تكمن أهمية المسرح في الوقت الحالي؟ وكيف ترى أثر غياب المسرح عن مجتمعنا الفلسطيني؟

المسرح ثورة من أجل البناء والتغيير، محرك يعيد توازن الإنسان ويمنحه شحنات من المعرفة المباشرة فهو العالم المصغر الذي يجمع مكونات الحياة، الأرض هي “خشبة المسرح “والجمهور ” الشعب ” و”الممثلين “هم دعاة الحياة الذين يبهجون الناس وينثروا عليهم الأمل وبما أننا نعيش فوضى المشاعر وحالة تيه نتيجة مخلفات الحرب فنحن بحاجة ماسة إلى المسرح ليهذب مشاعرنا ويعيد ترميم الخراب الذي غزانا ويحركنا لنبصر الكون بعيون تنتصر للحياة، نحتاج لطبقة من المثقفين والفنانين الذين ينتصرون للإنسان ويكونوا معول بناء لا هدم ،كما نحتاج للترفيه والبحث عن الضحكات المفقودة ،فلو طفنا في شوارع غزة ، ستصدمنا الوجوه الشاحبة المكتئبة ، فعلى مدار تجربتنا الحياتية غرقنا في بحور الحزن والضغوط النفسية، فأخطر ما في الحروب التي فرضت علينا، أنها تغزو الإنسان من الداخل تهزمه ،تجره إلى غربة اللا أمان وخاصة شريحة الأطفال الذين يعانوا ومازالوا يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية.
الكل يتغنى بإعادة إعمار غزة، ولكن الأهم قبل بناء الجسد الخارجي للمدينة، أن نبني الإنسان، نعالجه من الكوارث التي تعرض لها وهذا الشق الأساسي في الحياة، نفتقده فنحن مازلنا نعيش أزمة ثقة وخوف من القادم، أيعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين ألا يكون هناك خشبة مسرح في قطاع غزة؟! أشكر كل مجتهد يحاول صناعة مسرح ولكن بكل صراحة، الأعمال الفردية والموسمية التي نراها في المؤسسات رغم جمالها، لن تساهم في تعزيز وتطوير العمل المسرحي ،الذي نحتاج وجوده في كل الأوقات وخاصة الآن، ليتم تطهير الإنسان من خوفه وإعادة الثقة ليتفاعل مع الواقع ويحب الحياة.

-كيف يعالج المسرح أزمات ما بعد الحرب؟

للمسرح دور فعال في التخفيف عن معاناة الإنسان، فجمال المسرح يكمن بأن المردود مباشر، خلافاً عن السينما والتلفزيون وخلال تجربة الحروب السابقة عملنا على معالجة أزمات ما بعد الحرب من خلال ورشات التفريغ النفسي ومنح الناس مساحة للحديث والتعبير بحرية عن معاناتهم، متبعين برنامج السيكو دراما ومسرح المضطهدين والأنشطة الترفيهية. ملخص القول: الإنسان كائن ضعيف يبحث عن الأمان والسعادة والجمال وعلينا استغلال طاقته المهدورة في خدمة الوطن وهذا لن يكون إلا من خلال المسرح وخاصة المسرح الكوميدي الاجتماعي.

إعادة بناء المؤسسة الفنية وضرورة تصدرها المشهد:

  • كيف نعيد بناء المؤسسة الفنية في غزة وما الخطوات العملية لذلك وهل سبق خطوات في هذا الإطار؟

أولا: نحتاج قرار سياسي واضح وفعال من رأس السلطة الوطنية الفلسطينية، تتبني العمل الثقافي والفني وتضع له ميزانية سنوياً حتى نتمكن من إنتاج أعمال بشكل تراكمي يعزز دور الحركة المسرحية، ولأننا في حالة مقاومة مستمرة بمفهومها الشمولي والمسرح المحرك الرئيسي الفعال، أقترح على وزارة الثقافة أن تكون جهة منتجة وليس راعية للأعمال المسرحية والثقافية وأن تبادر في بناء مسرح قومي ومسرح لكل مدينة وقرية ومخيم وتقوم على إنتاج عشرة أعمال مسرحية سنوياً، حتى تكون هناك حالة فنية جماعية متطورة.
ثانياً: أقترح على وزارة التربية والتعليم أن تضع خطة شاملة للمنهج، بحيث يكون المسرح جزء أساسي في العملية التعليمية ويكون لكل مدرسة مسرحها الخاص الذي يشجع المواهب.
ثالثاً: أقترح على التلفزيون الوطني الفلسطيني أن يقوم بإنتاج مسرح متلفز ويقدمه للأطفال أسبوعياً.
رابعا: أقترح على البلديات أن تصنع “صندوق دعم الدراما “من خلال إضافة رسوم بقيمة شيكل على كل فاتورة مياه وكهرباء ويتم استقطاعها لدعم المسرح.
خامسا: أقترح على كل المرشحين للانتخابات والأحزاب التي دفعت رسوم المشاركة بالانتخابات أن يساهموا بمبالغ علانية ويعتبروها دعاية لأي انتخابات قادمة ففي برامجهم سيتغنون بخدمة المواطن.
سادسا: أقترح على رجال الأعمال والشركات الخاصة أن يتبرعوا بثمن علبة دخان أسبوعين لدعم المسرح وهذه المبالغ المهدورة لو تجمعت ستساهم في إنتاج مسرح يساهم في بناء الإنسان.
سابعا: أقترح على الكتاب والصحفيين أن يستغلوا أقلامهم في سبيل تطوير المسرح.
ملخص القول: أنا وزملائي الفنانين طرحنا وما زلنا نطرح هذه الأفكار، حاربنا وسنحارب من أجل تنفيذها رغم محاولة تهميشنا حتى أصبحنا منبوذين وأخيراً بعد هذه المعاناة المريرة، اقتنعنا أن صناعة فن وثقافة تحتاج لقرار سياسي وكل ما صنعناه وما نصنع هو اجتهاد شخصي لن يصنع حالة فنية مستمرة رغم أن وزارة الثقافة هذه السنة ساهمت بإنتاج بعض الأعمال المسرحية إلا أن القرار فردي لوزير عاش معنا وعانى من تهميش دور المثقف والمسرح والسينما ونحتاج قرار رسمي دائم لا موسمي.

  • ما انعكاس استمرار غياب الحالة الفنية في غزة وفلسطين بشكل عام؟

غياب الحالة الفنية سيورثنا الجهل، التخلف، والاضطرابات النفسية وستذبل جذورنا التي تتجذر بالأرض وسنعيش حالة العجز والتيه وسنصبح غير قادرين أن نخاطب العالم ونعبر عن روايتنا الفلسطينية بأسلوب محبب قريب للعالم.

محاولات شخصية طُمست باكرا لغياب الدعم:

-كيف تدرسون وترون التحركات المسرحية والفنية الخجولة في القطاع في الفترة الاخيرة؟

غزة كعادتها تصنع من العدم حياة، لا يوجد مسرح ولا إضاءة ولا إمكانيات مع ذلك هناك تجارب فنية فردية مميزة لعشاق المسرح، رغم جمال هذه الأعمال إلا أنها تموت في المهد، لن ترى النور لا عربياً ولا دولياً، لأنها ولدت من اللحم الحي للفنان المقهور المضطهد، فالفنان المسرحي في غزة لا يملك أي سلطة أو قانون يحميه، تصدمه الممنوعات وشح الإمكانيات، يحتاج أن يتحول لمنافق كاذب كي يرضى عنه السياسي ويوفر له الفتات، عليه ألا يخرج من القفص حتى لا ترى أعماله النور. فمثلا لو قرر فنان لا سمح الله أن يشارك في مهرجان عربي أو دولي ،عليه أن يتحول لمتسول بين المؤسسات وغالباً ما تبوء محاولته بالفشل فيتوه ما بين تكاليف السفر والتنسيق للخروج من المعبر فيستسلم للأمر الواقع ويتنازل عن حلمه ويسقط فكرة المشاركة، فعلى سبيل المثال قمت بإنتاج مونودراما “ارجموا مريم” على حسابي الشخصي والحمد لله اشترت وزارة الثقافة الفلسطينية عشرة عروض ساهمت بتغطية التكلفة وبهذا أكون إنسان محظوظ أكثر من غيري من الزملاء، لكن بعد الانتهاء من العروض ورغم استحسان الجميع للعمل وما كتب عنه محلياً وعربياً ودولياً إلا أن العمل تجمد ومع الوقت سيختفي وكأنه لم يكن، ليس لدي قدرات لتغطية طاقم السفر أو علاقات للخروج من المعبر، لست بحاجة أن يكون الفنان صديق المسؤول لكي تسير أموره ولكننا بحاجة لقانون يحمي الفنان ويحافظ على مجهوداته من الضياع، المشكلة كما قلت سابقا لدينا طاقة بشرية مبدعة، مفكرة ومجتهدة ولكن ما ينقصنا قرار من أعلى سلطة لتعزيز دور الثقافة والمسرح. وعندما تتوفر هذه المقومات حينها سيكون لنا مساحة للنقد والحديث عن واقع المسرح والحركة المسرحية في غزة.

-كيف يمكننا وصف المرحلة المقبلة في الحالة الفنية، وهل هناك تحركات جدية في إطار إعادة افتتاح المسارح ودور السينما ودعم الفن بأشكاله كافة خصوصا بعد إمكانية توظيف الإعلام الجديد في إيصال روايتنا للعالم؟

نحن نعيش حالة ضبابية غير واضحة المعالم، حتى هذه اللحظة لم نسمع عن أي خطة تتحدث عن إعادة افتتاح المسارح ودور السينما أو الحديث عن ميزانية سنوية لدعم الفن والفنانين والفنانات، مع ذلك نحن مسلحين بالأمل والقادم أفضل بمشيئة الله فلدينا شباب وشابات سخروا قدراتهم ومعرفتهم ووظفوا الإعلام الجديد في إيصال روايتنا للعالم، وأخيرا.. أتمنى أن تكون هناك مؤسسة رسمية تهتم بالمبدعين وألا يبقى النجاح فردي، ألا يحق لنا أن نحلم بشكل جماعي وأن نعمل سويا ونخرج بصوت نحن.

شوق فلسطيني لفتح الأفق الفني:

ما مدى توق المشاهد والمهتم في غزة بالأعمال الفنية التي لمستوه مؤخرا من خلال بعض العروض المسرحية والمهرجانات السنيمائية والتي كان معظمها جهود فردية؟

المشاهد الغزي يعشق المسرح الهادف الذي يعبر عنه ويتفاعل معه ويشجع العاملين بالمجال الفني ويناقش كل صغيرة وكبيرة، له وجهة نظر في كافة الأعمال التي تقدم إليه ويستطيع تقييم الغث من الثمين، المشاهد الغزي جائع للحياة والجمال، فبعد كل عرض مسرحي تكون هناك ورشة عمل وتطرح أسئلة من الجمهور في صلب المسرحية، تجعلنا نفكر ألف مرة عندما نختار نص مسرحي لجمهور واعي ومثقف ناقد يبحث عن الأجود وخاصة عندما يكون العرض المسرحي لأهل الجنوب والشمال والمناطق النائية.

التغير الجوهري في دعم الرواية الفلسطينية كيف نستغله:

  • رسالتك ككاتب ومخرج مسرحي في هذه المرحلة التي تشهد تغيرا جوهريا في دعم الرواية الفلسطينية ولمن توجهها؟
  • فلسطين انتصرت في الحرب الأخيرة إعلامياً وما زلنا نجني تعاطف الشعوب لروايتنا العادلة، لذا أتوجه لأولى الأمر وأقول لهم: نحن لا نملك إلا الإنسان، هو رأس مال الشعب الفلسطيني ،فعلينا استثماره جيدا بالمعرفة والوعي ومعالجة ما يتعرض له من اضطرابات نفسية والفن بكافة أنواعه، الطريقة المثلى لصناعة إنسان ينتمي لوطنه، الفن ساحة الترميم والمعالجة القادر على ترجمة معاناتنا للعالم، فعلى أولي الأمر أن يكون من ضمن أولوياتهم دعم المسرح والسينما والثقافة والفنون بشكل عام، عليهم أن يوفروا لنا الإمكانيات لإقامة مهرجانات دولية وعربية وبناء مسارح وسينما ومشاركات خارجية وتبادل معرفة وثقافة، فمعركتنا تحتاج للوعي.
  • كما أوجه رسالة شكر وتقدير لكل العاملين في مجال الثقافة والفنون وأقول لهم: ابقوا كما أنتم مجتهدين مخلصين للوطن تحفروا بالصخر ليزداد الكون جمالا، ففلسطين تستحق الكثير من الحب، تحدوا المستحيلات، فالسياسي سيزول وأنتم الباقون التاريخ سيسجل أنكم من صنعتم الأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى