ثقافة

الألَم.. حقيقتُنا العمِيقة 

الألَم.. حقيقتُنا العمِيقة

بقلم: رشيد سبابو- كاتب مغربي

الألمُ طريقٌ إلى الذات، إلى الآخرين، إلى العالم أجمع … إذا تألّم الإنسان تعلّم، فالألم هو ما يميّزنا عن الآلهة و يخرجُنا من إطار الميتافيزيقا. إنّه تعبيرٌ عن الضّعف الذي يسكنُ الإنسان ويُشكّلُ ذاتهُ العميقة. الإنسانُ هو الكائن الوحيد الذي يتألّم عن طريق نوعين من الألم؛ الألم الجسماني والذي يتمثل في المرض، والألم الرُّوحي الذي تتعدّد مظاهره : فمنها خيباتُ الأمل والفقد والفشل …

إن الألم هو ما يجعلُ الإنسان كائناً فلسفيًّا، فلماذا الصّمت عن شيءٍ يجعلُنا مُثقّفينَ ثرثارين ومُفكّرين مُتفلسفِين؟ ليس علينَا مُمارسةُ الصّمت والإنكماشِ في قوقعةٍ فارغةٍ إلاّ من بكاء الفاشلين، التحدثُ بآلامنَا شرطٌ يحقّقُ حقيقتنَا؛ وجُودنا… فلمَ الألم؟ ليس لديّ جوابٌ مقنعٌ صدقاً.

إذا كانَ وجُودنا يستمرُّ بالألَم وينتَهي بالمَوت والعدَم فهُو بدون شكّ وجُودٌ عبثيّ لا جَدوى منه، لكنّه مُقلقٌ وقاسٍ، لا رحمة فيه ولا شفقَة!

هل الألمُ نتاجُ الشّر؟ ربّما، فمن يصنعُ شرًّا لا بُدّ أن يتألّم به في آخر المطَاف. لكن، ما ذنبُ الطّيبين الذين يتألّمُون في دواخِلهِم؟ أم أنّ تألُّم البشريّة بأخيارها وأشرارها هو عقابٌ أبديٌّ لخطيئةِ آدم، لكن لماذا تتألّم الإنسانيةُ جمعَاء بدل مُرتكبِ الخطيئة؟!

إنّه البحث الدّائم عن حقيقة الوجُود، فالإنسان بطبيعته المُتسائلة والباحثة في كل ماهو غامض لم يصل إلى حقيقةٍ ثابتةٍ ومُطلقة حول هذا الوجُود، ما جعلهُ يصابُ بقلقٍ وجوديّ أغرقهُ في الألم.

إنّ الألم الإنسانيّ يتجلّى في قُطبين، سلبِيّ وإيجابيّ :

الألمُ السلبيّ، هو التعلّقُ بسلبياتِ الوجُود وقلقهِ وشقائه، وهو ناتجٌ عن التعلُّق بالمادّيات وكلّ شيءٍ دونَ الذّات التي تسكنُ بالدّاخل، والتمسُّك بالعدمية التي لا تؤدّي إلاّ لمزيد من الشقاءِ وغالباً إلى ارتكابِ جُرمٍ عظيمٍ هو الإنتحَار.

الألمُ الإيجَابيّ، هو ألم البحثِ عن الذّات الكامنةِ في عُمق الوجُود، هو تجاوزُ الأمور التّافهة كالخوف من الحتميّات و القلقِ والتردّد في اكتشاف ماهيةِ الحقيقة، هو الشّعور بالبُؤس الإنسانيّ العمِيق والشقَاء الأبديّ الذي يعيشُه.

 

سيحقّق الإنسانُ سعادته عندما يعِي أن الوجُود لا يخلُو من الألم ويكونَ أقلّ تفاؤُلاً فيما يخصّ مصير البشريّة، ويُدرك أنّه حقيقتنا العميقة، فنحن بدأنَا بالألم وسننتهي به، وهذه الحقيقة لا مهرب ولا خلاص منهَا.

زر الذهاب إلى الأعلى