ثقافة

ملامح جمالية في أعمال الأديب إبراهيم نصر الله.. بقلم: عبد الرحيم الهبيل

ملامح جمالية في أعمال الأديب إبراهيم نصر الله

بقلم: د. عبد الرحيم محمد الهبيل/ ناقد وأكاديمي 

قبل الحضور بطعم الغياب

قبل ذل المديح وحمى الهجاء وحمى الرثاء

قبل ذلك لابد أن نغني للوطن ولا نعيب المساء

في بلدتي ألف كاتب عن شجر اللوز عن الفراشات

في بلدتي ألف حجر يسد الجوع

هذه الكلمات من أنفاس إبراهيم نصر الله في حديثه عن الحب حينما جعل للحب ديواناً خاصا باسم الحب شرير، ومن أجمل القصائد التي استمعت إليها قصيدة وصايا العاشق ونشيد الذئاب.

قصيدة الحب عند إبراهيم نصر الله ترعى الأمل، وتهب قوة للحياة، فهو دائما يحرص على حماية الذاكرة، وإعادة البناء، ففي مرايا الملائكة وعند الشاطئ الذي تثاءب عند الظهيرة يعيد بناء صورة إيمان حجو في عقولنا لتبقى بعيدة عن الاغتيال.

لا يعرف إبراهيم نصر الله طعم الهدوء إلا في الكتابة والتماهي مع النص، فلحظة الكتابة هي لحظة الهدوء الاستثنائية التي فيها السعادة بميلاد نص جديد يصيب الأعصاب بالتعب لكنه يحمي القارئ من الظلم، و يصنع قصراً له منيعا لحماية الذات ، فالحكاية التي لا نكتبها ستصبح ملكاً للأعداء هكذا قالت آمنة في أعراس.

الكتابة عند نصر الله هي هزيمة للخوف، وابتلاع لعتمة الجهل، والمكان إذا لم يوجد في النص فهو اللاوجود، لذا كان حريصاً على تجدد المكان في رواياته، فكتب عن جنوب السعودية براري الحمى و كتب عن قناديل ملك الجليل في قلب الجليل، و عن فضيحة الثعلب في نيويورك .

ويعانق نصر الله الزمان المكان في زمن الخيول البيضاء، حتى أصبح الزمان مفتوحًا على الظلام في كل مكان في حرب الكلب الثانية التي فاز بها بجائزة البوكر، لا يؤمن نصر الله بفكرة الإسقاط التاريخي ولكن يؤمن بتداخل الأزمنة، أما عن جدلية التاريخ والفن فقد جعل التاريخ هيكلاً عظمياً لكل أعماله.

لم يقع في سلطة الأيديولوجيا بحساسية اللغة الشعرية ووعيه لدور السلوك ،فكأنه يقول: لا يعنيني ما تؤمن به ولكن ما تفعله بإيمانك، ولم يقع أسيرا لنص ما، فظل التناص قي أدبه فسيحا، ومن جدليات الإبداع في أعماله أنه يفكر في أكثر من عمل في آن واحد مع إيمانه بمبدأ الإغراق ليحتمي به في التفريق بين الأجناس الأدبية ، فلا نجد تداخلا بين عمل وعمل، ولا يخلط بين شعر ونثر، إذ يفرق إبراهيم نصر الله بين الأشياء، أما التشابه بين الأشياء فهو عميق في أعماله، وتجليات هذا العمق تبرزفي رواية حرب الكلب الثانية التي يحاور فيها فلسفة التشابه على نحو يجمع فيه المفاهيم التراثية المعاصرة بكل مكوناتها.

أما الشخصيات في أعماله فهي متعددة ومختلفة ، وإذا كانت سلمى الخضراء الجيوسي قد عاتبته لغياب المرأة في رواياته فإننا نجده يكرس كثيرًا من أعماله للمرأة و ضرورة تغيير الواقع العربي كما في أعراس آمنة، و زيتون الشوارع ،و شرفة العار، و قناديل ملك الجليل، لكن إبراهيم نصرالله لم يسلك طرائق الآخرين في الوقوف أمام عواطفها وإغراءات الجسد، لأنه يريد حماية وجودها بمعالجة إنسانية، تلبية لهمه الأول حماية الشعوب و تحريرها من وهم العادة و الخضوع، و لذلك قال عن الرواية هي : “رؤية تقال عبر الحكاية فيها حرية و مسؤولية” ففي شرفة العار واجه جريمة قتل المرأة، وفي حرب الكلب الثانية كانت سببًا في مقتل راشد.

لقد احتمى إبراهيم نصر الله بمنابع ثقافية أساسية ، ومن أهمها : التراث والسينما، وإذا كان دور التراث مفهوماً بما في أشعاره من خيول فإن مفهوم السينما عنده ألا يكون المشاهد عابراً وإنما محلل وناقد ، لأن السينما تطرح قضايا مصيرية في الحياة والثقافة والوجود، فالسينما ساهمت كثيراً في وعيه المعرفي المعاصر وصناعة الغرائبية في أعماله ، حيث أفاد منها في إتقان عمليات الحذف والمونتاج الروائي والمشاهد ، فهو لا يمل ذكر الشرفات، ويعشق الثقافة البصرية حتى ولو كانت تاريخية.

وختاما فإن أعمال نصر الله تسجل حياة الفلسطيني في هذه الحياة منذ كانت صفراً بعد الهجرة إلى هذا اليوم وتمتد عبر التاريخ فكانت ملحمة فلسطينية إنسانية، فيها حماية للرواية والذاكرة والحضارة.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى