مقالات

التفكير السببي وأساتذة الصراع الفكري: قوانين النجاح والهزيمة في العصر الحديث 

التفكير السببي وأساتذة الصراع الفكري: قوانين النجاح والهزيمة في العصر الحديث

بقلم: محمد بوداود/ الجزائر

التفكير السببي هذا المصطلح الذي يبدو للوهلة الأولى ذا تعريف واضح يقابل الكلمة بمرادفها فينتج مثلا التدبر بالحجج أو غيره من المرادفات , لكن المعنى المهم الذي يجب أن ينظر له في تعريفنا هو كالتالي :

( جعل أي هدف نريد الوصول إليه على شكل نتيجة, والوصول إلى النتيجة يمر عبر مجموعة من المقدمات) .

علينا في بداية الأمر النظر إلى النتيجة واختيار أحسن المقدمات , فلإنتاج جيد وجب اختيار أحسن العناصر اللازمة ليكون المنتج في الأخير مرضي وبنفس ما كنا نتطلع للوصول إليه , لذلك يلزم كمفتاح أن تكون لدينا نظرية والقدرة على تطبيقها لإنشاء مقدمات ذات بعد فكري عالي لخلق النتيجة وهي الهدف المنشود الذي نطمح له.

هكذا يمكن القول أن المفهوم قد اقترب قليلا فكيف ستكون المقدمات وكيف تختار, ببساطة من نظرية مالك بن نبي سوف نقترب من باطنها ومفهومها من مخططه الذي وضعه حول الفكر السببي.

وبالمثال تتضح الأمور نرى اليوم عقدة المجتمع الإسلامي بأن لديه علم وقدرة لا ينتفع بها, وبما في ذلك مشكلة الفرد الذي جل تفكيره يندرج تحت استعمال الأفكار الميتة و المميتة من الغرب ليكون بعدها في قوقعة دفع ثمن ذلك.

لنعد إلى الجانب الثاني ونأخذ مصطلح آخر بما سماه مالك بن نبي أساتذة الصراع الفكري.

فقد أعطى شرحا عن كيفية عملهم وقابل المثال بالإسلام إذ أشار بان المعركة الحقيقية هي إعادة بعث الحضارة الإسلامية أي أن يتكاتف العرب على جعله هو الركيزة الأساسية في العالم لكن من جهة قال أن أساتذة الصراع الفكري يقومون بخلق معركة وهمية فتجد أننا تركنا واجبنا حول بعثه من جديد وانشغلنا بمعركة الدفاع عليه.

جل ما في الأمر أن الإسلام هو من يحمي المسلمين فهو الأساس ولا نزاع في ذلك مهمتنا نحن هي أن نرتفع به في هذا العالم , فبخلقهم المعارك الوهمية والتي خطط لها باستراتيجيات فكرية رزينة تغلبوا علينا.

ثم استهل القول وكتب ( فالإسلام بما انطوى عليه من قوة روحية كان للذين يتمسكون به درعا من أن تحطمهم الأيام أو يذبوا في بوتقة المستعمر يتقمصون شخصيته) .

** هكذا قد وضحنا شيئين , التفكير السببي و أساتذة الصراع الفكري الذين كل ما صنعوه هو من خلال هذا التفكير , فكيف إذا هو قانونه؟.

يقول مالك بن نبي ( إن الكلمة لمن روح القدس ) وهذه الجملة هي أول ما يبدأ به التفكير السببي, لأنه يقصد أن الكلمة لها قوة وتأثير كبير على الفرد والمجتمع. فالكلمة هي وسيلة التعبير عن الأفكار والمشاعر، وهي أداة التغيير. عندما تُقال الكلمة بصدق واقتدار، فإنها تؤثر في ضمير الفرد ووجدانه، وتدفعه إلى اتخاذ قرار أو تغيير سلوكه, يُمكن أن نرى مصداقية هذا القول في العديد من الأمثلة التاريخية والواقعية. فمثلاً، لعبت الكلمة دورًا مهمًا في حركة النهضة العربية، حيث قادت الخطاب الديني والثقافي إلى إحياء الأمة العربية. وفي العصر الحديث، لعبت الكلمة دورًا مهمًا في حركات الاحتجاج والتغيير الاجتماعي، حيث قادت إلى الثورات والإصلاحات السياسية والاقتصادية.

فمن أفكاره وبعد تحليل سنصل إلى القانون الأهم ألا وهو أن الكلمة تخلق الفكرة على مستوى العقل ومن الفكرة تظهر الحاسة الاجتماعية على مستوى القلب ويظهر منها العمل على مستوى الجوارح .

قد اتضحت القاعد الآن وعندما ذكرنا سابقا أن الوصول إلى النتيجة يمر عبر مقدمات سنجد أنها تشمل الكلمة ثم الفكرة ثم الحاسة الاجتماعية وبعدها العمل حتى الوصول إلى الهدف.

** إن الشخصية الفعالة لا تكتمل إلا بان تتعلم كيف تنتصر وان تتعلم كيف تهزم, لان أي شيء تود الوصول إليه إن عرفت مناهج بنائه دون معرفة مناهج انهزامه فلن يدوم الأمر.

لنوضح قليلا يقوم أساتذة الصراع الفكري بخلق جموع شعبية , لماذا ؟ كل هذا لتبقى الفكرة مجمدة هذه الفكرة التي سوف تخرج تلقائيا من هذه الجموع ليسهل بذلك القضاء عليها , فهذا التفكير مساعد كبير لهم فلو أن كل شخص لديه فكرته دون أن يسمعها احد يصعب عليهم أن يتغلبوا على ما سيظهر في المستقبل لأنه بذلك سينتج حركات متنوعة كل منها تنادي بأمر, لذلك يكونوا تلك المظاهرات والاحتجاجات لتنتج فكرة واحد أو مطلب واحد حبيس هذه الحركات فيقضى عليها بسهولة.

من هكذا طرق أصبح المسلم مشتت من قبل الغرب الذي هو كفارس اسباني يحمل رداء احمر فيلعب بالثور الهائج وهو المسلم الذي يركز على الرداء دون ضرب الفارس والشعب من حولهم يستمتع , يوجد من يهتم من جانب البناء ولا ننكر ذلك ولكنه لا يهتم في كيف يمكن هدمه لذلك يسقط بسرعة مثل الحركات الشبابية وغيرها, إذ يستعملون الإصلاح البطولي وليس الإصلاح المؤسسي القائم على العمل الجماعي المنتظم.

** فكيف إذا يمكن اغتيال الفكرة في نظر مالك بعدما بين لنا كيف نبني للوصول إلى النتيجة, قد قسم هذا الأمر إلى فكرتين تضاد المنهج وتضاد الرسالة, فإذا ظهرت حركة ما في العالم الإسلامي يتجه الغرب إلى حلين الأول هو تضاد الرسالة يصيب هذا الحل النتيجة مباشرة فبعد ما يتم السير على خطوات التفكير السببي للمصلح يقوم هو بضرب النتيجة فعندما يصل إلى الهدف المنشود يجد نفسه متغلب عليه لان النتيجة لم تكن كما ينبغي وإذا كان العكس حينما تكون النتيجة جيدة يتم في هذه الحالة إصابة القواعد بما سماه تضاد المنهج إذ يخرب عليه القواعد اللازمة للوصول وفي النهاية يجد نفسه قد سقط أيضا.

فمهما بلغ فكر الشخص وقوة تفكيره سيكون الفرق بينه وبين أساتذة الصراع الفكري هو أن المفكر مهما بلغ من العلم والدهاء و التخطيط يبقى جزء من المعادلة يتم التلاعب بها, أما عن أساتذة الصراع الفكري فهم المعادلة بأكملها.

هذا المشكل لا يمكن التغلب عليه لأنه لا يوجد مجامع فكرية والتي ستساعد في جعل كل قطب يتجه إليه مجموعة من الشعب يؤدي إلى نتيجة ايجابية واحدة للتغلب على أساتذة الصراع الفكري الذين يجعلون من المعادلة نتيجتها سلبية وبالتالي يحدث انقسام كل مجموعة في اتجاه وليس كتلة واحدة.

وهي بمفهوم آخر تلك المؤسسات التي تعنى بتطوير الفكر والثقافة في المجتمعات الإسلامية. وهي ضرورية لبعث النهضة الإسلامية، وذلك لأنها تؤدي مجموعة من الوظائف المهمة، منها توحيد الجهود الفكرية و تشجيع الابتكار الفكري وأيضا نشر الثقافة الإسلامية, وقد حدد مالك بن نبي مجموعة من الشروط التي يجب توفرها في المجامع الفكرية ألا وهي :

الاستقلالية: أن تكون المجامع الفكرية مستقلة عن أي سلطة أو ضغط سياسي أو اقتصادي، حتى تتمكن من أداء مهامها على أكمل وجه.

الشمولية: أن تهتم المجامع الفكرية بجميع المجالات الفكرية والثقافية، بما فيها العلوم الطبيعية والإنسانية والإسلامية.

الواقعية: يجب أن تركز المجامع الفكرية على المشكلات الواقعية التي تواجه المجتمعات الإسلامية، وتقدم لها حلولاً واقعية.

** والنصيحة الذهبية من كل هذا و لنهضة الأمم لزم إصلاح الفرد ( غير نفسك تغير التاريخ ) ولكي يدير الفرد نفسه عليه بضبط العقل والروح والغريزة فيغير نفسه إلى الأفضل ثم بعد ذلك ليدير مجتمع عليه بضبط الأشخاص والأفكار والأشياء, ومن ثم علمه بأسس البناء وعوامل الهدم لتكون هنالك وحدة التصور حول الرسالة, لأنه في وقتنا لم نتعمق في أسباب البناء وأسباب الهدم كي نحمي أنفسنا من الصراع الفكري.

وفي الأخير نستعين بجزء من كتاب الفوائد لابن القيم حيث قال حول هذه الفكرة وقاعدة التفكير السببي:

( أن مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات والتصورات تدعو إلى الإرادات والإرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العادة).

و اعتبر هذه قاعدة جليلة لأنه إذ نقلت الخاطرة السيئة من شخص إلى شخص تصبح ظاهرة اجتماعية وبالتالي فساد المجتمع ولا يمكن بعد ذلك إصلاحه دون فهم أصل الهدم.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى