الدكتور البوجي يطرح معنى جديداً للحوت في القران الكريم

الدكتور البوجي يطرح معنى جديد للحوت في القران الكريم
رأي في معنى الحوت في القرآن الكريم
بقلم: أ.د. محمد بكر البوجي/ ناقد وأكاديمي
الإسلام دين عقل وروية، وقد حثنا القرآن الكريم في كثير من الآيات على أن نفكر في الكون وما حولنا.. وقد استخدم القرآن الكريم معظم مصطلحات العقل والتفكير مثل: أفلا تعقلون. تفكرون، تتدبرون، أولي الالباب.. إلخ. ارجع إلى كتاب العقاد “التفكير فريضة إسلامية”. هنا فرض علينا استخدام العقل في حياتنا وفي تفسير كلام المولى عز وجل، القرآن كتاب إلهي، كتاب دين مقدس لا شك في ذلك ولا اعتراض، كتاب باق إلى يوم يبعثون، كما هو دون تغيير أو تبديل، لأن الله تكفل بحفظه. ليست مشاكلنا هنا إنها مع المفسرين القدماء الأوائل الذين جاؤوا من فارس وخارج فارس بعلوم واطلاع على معتقدات سبقت الإسلام مثل زرادشت واليهودية والمسيحية والصابئة وغيرها.. استخدم هؤلاء المفسرون هذه المعلومات في تفسير القرآن الكريم مثل تفسير الطبري وابن كثير وغيرهم من المفسرين الذين هم ليسوا عرباً بل فرس في أغلبهم. لهذا جاءت تفاسيرهم أحيانا بعيدة عن مفاهيم مفردات اللغة العربية واللهجات العربية. وقد كتبنا في ذلك عن مفردة الحلوف الذي أطلقوا عليه بعد مائتي عام من ظهور الإسلام مصطلح الخنزير، والخنزير في العربية معناه ورم في جسم الماعز وغيرها، فلا يجوز أكل الدابة المريضة بالخنزير أي الورم، وليس كلمة الخنزير في العربية تعني ذلك الحيوان المعروف.
نأتي هنا إلى سيدنا يونس ذو النون بن متى اليهودي الإسرائيلي العربي عليه السلام وقصة الحوت:
عاش سيدنا يونس في مدينة، نينوة، على شط دجلة بالعراق، نينوة صارت الآن جزءاً من مدينة الموصل العراقية على شط نهر دجلة، لم يغادر سيدنا يونس بلاده مطلقاً عاش ومات فيها على شط نهر دجلة. سؤالنا هل نهر دجلة فيه سمكة قرش ضخمة! كانت العرب تعرف السمكة الضخمة باسم القرش وعرفه العرب قبل الإسلام بهذا الاسم، وقد سميت قريش نسبة له؛ لأنها كانت تأكل اقتصاد الجزيرة العربية فشبهوها بسمكة القرش. بينما العرب يقولون لفظ حوت على كل أنواع السمك الصغير والكبير، ولكن ليس على القرش. نهر دجلة تاريخيا يخلو من سمكة القرش أو الحوت الضخم؛ لأنه فقط يعيش في البحار والمحيطات وهو موجود في البحر الأحمر على شواطىء الجزيرة العربية وأيضاً على الخليج العربي شرقي الجزيرة العربية. فكان العرب يسمونه سمكة القرش. نحن هنا في مأزق مع كتب التفسير القديمة والحكاية الشائعة عن سيدنا يونس ذو النون ابن متى العربي العراقي. كيف نخرج من المأزق؟ قد يقول قائل: كان في زمانه يوجد. أقول: تاريخياً لا، لم يكن لأن صيرورة الحياة كما هي منذ عشرة ألاف عام إلى اليوم بهذا الشأن. كيف نخرج من هذا المأزق بعقلانية وتفكير سوي وقدسية أيآت القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل. نريد العودة إلى مفردة اللغة، الحوت ودلالتها في القبائل واللهجات العربية. وجدنا أن بعض القبائل العربية في الأردن و الخليج وعمان وبعضها في العراق. يقولون عن المركب الصغير جداً، حوت، لأنه يحتوي إنسان واحد أو اثنين فقط، وهو مصنوع من جذع شجرة ومحفور على شكل قارب صغير، وقد يبدو شكله مثل الحوت السمك الكبير.
هذا القارب يصلح للصيد في الوديان والخلجان فقط. وربما أطلقوا عليه لفظ حوت لأن به يصطاد السمك من النهر، سواء سمك صغير أو كبير بحجم صبي، كله حوت عند العرب. الذي يزيد قناعتاتي ما جاء في القرآن الكريم حيث ربط الحوت بالشراع في سورة الأعراف 36 ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ) هل يكون للسمكة شراع ؟ أم أن الشراع مرتبط بالقارب والسفن. كذلك عندما نسيا حوتهما في سورة الكهف 60 ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) عندما ينسى الإنسان ربط القارب بحبل في صخرة على شط النهر ربما يسحبه مجرى النهر أو الخليج، فلا بد من ربطه. لو راجعنا كتب التفسير الطبري نموذجاً حول دلالة قوله تعالى: (واتخذ سبيله في البحر سربا) ، يصعب أن تخرج أيها القارىء بنتيحة أو معنى محدد مفهوم، لأنه الفكرة ضبابية عند المفسرين غير واضحة في أذهانهم،
مفهوم البحر هنا هو الوادي أو النهر، وليس البحر المتوسط.
يبقى السؤال قائماً كيف ابتلعه الحوت؟! أقول: الحوت هنا بمعنى القارب الصغير المحفور من جذع شجرة. وقد حدث فيضان صغير في وادي دجلة أثناء رحلة صيد، والفيضان قد يصل أبعد من خمسين كيلو متر على ضفتي النهر ويصعب على الإنسان معرفة المجرى الأصلي للنهر من مجرى الفيضان، كما نقول في كتبنا “ابتلعته الصحراء”، هنا ابتلعه الفيضان وهو في القارب الحوت وذهب بعيداً عن مدينته والشمس حارقة، وكان ملبس الصياد عبارة عن وزرة يستر بها نصف جسده السفلي فقط، فأصيب جسده بالحرقان نتيجة حرارة الشمس وقد تصل في تلك المناطق خمسين درجة في الظل. بعد أن هدأ الفيضان الذي يستمر أكثر من شهر. نقول التقمه الحوت أي ألتقمه الفيضان. استطاع سيدنا يونس الوصول إلى مدينته مرهقاً مصاباً بحرقان في جلده. لو سلمنا جدلا أنه سمكة قرش كما يرى بعض المفسرين! هل سمكة القرش تبقى في نفس المنطقة عدة أيام؟ أم أنه قد يصل الهند في هذه الفترة التي هي أربعين يوماع أو أربعة أيام على اختلاف المفسرين. نلاحظ أن سيدنا يونس ابن متى قد عاد إلى مدينته بسرعة بعد انتهاء الفيضان. فهل هناك سمكة قرش تبقى في مكانها عدة أيام . أيضاً نلاحظ أن القبائل العربية يطلقون لفظ البحر على الوادي كما يطلق المصريون لفظ البحر على وادي النيل، أما لفظ السفينة فهو يطلق على المصنوعة من جذع الشجر بناء وليس حفراً أو من البوص الذي هو شجر ينبت على ضفاف الوادي، كما جاء في الشعر الجاهلي في قصيدة طرفة بن العبد، وكذلك مصطلح الفلك وهو الأكبر من السفينة، كما جاء في القران الكريم، ( والفلك المشحون ) يس 41، أي يستخدم للشحن والتحميل. بهذا التفسير نكون قد استخدمنا العقل واللغة واللهجات والجغرافية والتاريخ والمنطق في تفسير الآيات القرانية الكريمة، هذا التفسير لن يؤثر على إيمان الإنسان المسلم لأن النص القرآني يجوز تفسيره في كل مرحلة وفي كل زمان وفي كل مكان.. قدسية النص القراني لا نقاش فيها، أما قدسية التفاسير فهذا اجتهاد بشري يمكن أن نناقشه، هذا اجتهاد قد يكون صائباً أو غير ذلك.. اللهم لك الحمد فيما أنعمت، أقول قولي هذا وأستغفر الله.