نصوص

ماري نادر ميا تكتب”لليمامة الجديدة”: لا مبالاة 

لا مبالاة

بقلم: ماري نادر ميا/ سوريا 

كان هادئاً، وهي كانت هناك لكن لم يفارقها الشعور أنها ليست لهُنا، كانت الجموع تغص في المكان لكن حركتها كانت كأن لا أحد هنا، كانت انسيابية مرنة كأنها لم تكن تخطو إنما تطير، أدركت من طيرانها هذا إنهم فعلاً أوهام، لا كلماتهم ولا حتى أفعالهم جعلتها تلتصق بهذا المكان، حتى نظراتهم كانت كأن لم يروها، كانوا مجموعات وكانت بمفردها، يتعاقب على مسامعها أعبائهم اليومية، من حديث بعضهم الذي اختصرته أغنية عزار حبيب” خطبوها بالجواهر شنشلوها علموها تحب غيري وقلب غيري سلموها، علموها تجافيني وتنسى أشواقي وحنيني”، إلى بعضهم الآخر الذي ترك العنان لعبد الحليم بأغنية” قسوة حبيبي مغلابني اوعى يا قلبي تحب تاني، انا كنت هواه وحبيبة روحي وقلبي حوليه، لوكان الدمع يجيبه كنت ابكي العمر عليه”، وهناك مجموعة وصلت لقاع الحياة فمثلها هاني شاكر بأغنية” مجرد وقت ودا كله أكيد حنساه حكمل لي بطريق متعب وضيع وياه دي احسن فرصة بالنسبة لي للتغير واحسن حاجه ان نحن ماكملناش وخيرها بغيرها مش كل العالم ببلاش وبعدك عني بالنسية لي يمكن خير انا حنسى جرحي وقسوته وانسى عذابي كمان وحفوق اكيد من صدمتي بعد اللي حسيت بيه عمر الحياة ماحاتنتهي وقفت على انسان كان حلم وحلمته وصحيت لقتني ناسيه”.

لحظات خضبتها أمطار عينيهم، ولم تنتهي هذه اللحظة حتى حطى ناظريا على مجموعة تضج بالحياة، وتنضح من اعنيهم أغنية مصطفى قمر “أحلام عمرنا لو من قلبنا حتعيش ونعيش دا الحلم من حقنا”.

تناقضات الحياة؟! وكأن مغزى تلون مواقفها هذا جاء ليقول لها لم يحن الأوان تريثي، أكملت سيرها غير ابه إلى مغزى الحياة الذي كان يشغل فكرها منذ وقت ليس بالبعيد، اتخذت يمينها مستنداً إلى ذلك السور الذي يفصلها عن بداية البحر، تأملته وأطالت… وأطلقت عينيها للأفق، كان البحر هادئ وكأنه هرب من ليلة صيفية ليستقر ضمن فصل الشتاء هذا، في بادئ الأمر كانت عيناها مثبتتان على الأفق المستقيم أمامها، كانت ترى في آخر انبسط البحر نتوء صغير، فبدأ عقلها الهارب من الوجود يبحث عن أجوبة، شاردة في ذلك الأفق خمنت، قد تكون جزيرة بعيدة يقطنها أناس يعيشون السعادة ولو سألتهم عنها لفعلوها دون أن يعرّفوها، بخلاف جزتنا هذه نحن نعرّف السعادة لا نفعلها فليس لدينا القدرة على ذلك، توقفت للحظة وامعنت النظر بتمحص ماذا لو كانت قارباً؟! تبسمت في سرها، قارب؟! وبتعجب سألت نفسها ما الذي يفعله؟! أينقل الناس من جزيرة التعساء هذه إلى جزيرة السعداء، من مكان القول إلى مكان الفعل، لكن لما يبدو متوقفاً أهناك من لم يدفع ضريبة السعادة وبسببه حرم الجميع من العبور، لكن القارب يبارح مكانه وكأنه لن يذهب لكن لن يأتي، أنصاف الأمور تلك متعبة عليك أخذ القرار يا صديقي وإلا ستتسرب الحياة من بين يديك، لا وقت نضيعه، إنه يمضي، أتعبها عمق التفكير هذا فقد أكثرت منه في الأشهر الماضية، اُنهك العقل بدأت تشتت ذهنا باحثة عن اي شيء، اي شيء لتريح عقلها، فشاهدت في الجهة اليسرى من الأفق المستقيم وعلى مقربة منها غواص، كانت معداته أثقل منه، شعرت للحظة إنها ستأخذه برحلة لقاع البحر لا عودة منها، لكن فاجئها كونه متمرس بالتعامل مع تلك الأدوات، هي الحياة تصفع توقعاتنا باستمرار، تبرحها ضرباً وفي بعض الأوقات تديمها وتعلق مشنقتها، وكأن الغواص يبحث عن شيء ابتلعه البحر، أتراه يبحث عن سعادة ابتلعتها الحياة، أو قدر جميل افنته الحياة، كان يقترب من الأفق المستقيم، ظنته يلحق بالقارب المنتظر، ترى هل هو مسافر متأخر أوقف قافلة السعادة تلك، ربما فها هو ينقلب في الماء بحركات بهلوانية تنم عن سعادة، سأدعه يكمل طريقه أملة ألا تصفعه الحياة، سأفسر عبور الطائر هذا فوقه إشارة أن الحياة ستنصفه، طائر حر يتوجل في أصقاع الأرض دون قيود، أفعلاً نحن البشر افضل من العجماوات؟! كيف نكون أفضل والقيود تلون حياتنا؟ والظلم يسيطر على أملنا، اخافتني تلك الحمامة التي حطت أمامي، لكن لما لم أقرأها أنها رسالة قدر لغدٍ جميل؟! فإذا فسرت أن تجولها الحر هذا يقول إن ما أريد سيكون هذا يعني أن القادم جميل، لكن ما الفائدة من ذلك؟!

بعد التعب تصبح النجاحات لا طعم لها، تنهكنا الحياة فلن نجد شيئاً ذي معنى، كتلك الصخرة التي أمامي الآن مقعرة عند طرفها الأيسر، كأنها تشكل نموذج لبحر مصغر، يرتطم فيها الموج فيدخل جزء من الماء ويملء القاع المصغر، لكن يبدو أن الصخرة هذه لديها تسريب كبير للماء فبعد ثوان من ملئها تُفرغ تلقائياً، كما هي حياتنا تارة نمتلء حد الاشباع فنفيض، وأخرى نجف حد الممات فنعيش فقط، مازال ذلك الغواص ينطلق بسرعة، وذلك القارب لم يبارح مكانه، وهذه الصخرة أيضاً كما الحياة تفعل ماتريده هي وحسب، من حدد تدريجات ألوان البحر، من افتح درجة للأزرق لأغمقها، هل يتغير التقسيم فنرا أن درجة ما غيرت مكانها لتاخذ مكان أخرى؟! لا أعتقد فالضوء هو من يعطيها درجاتها، فليس لها حرية الاختيار، كما الحياة تمام قسمتنا كما تريد.

بجواري توقفت مجموعة كانت تضج بأغنية بوسي” يلا نحلم بلا نرسم بكرا بالألوان يلا منسبش الأيام والدنيا توقفنا اتحداها وعشها اوعى تبقى جبان… طول ما الشمس بتطلع اوعى ما تغنيش”، أي شمس يا أصدقائي؟! اقتحمت السماء فارضة مطراً مدراراً فعن أي شمس تتحدثون علينا الرحيل بأسرع ما يمكن فقد يخرج تنين البحر بزوبعه تأخذنا جميعا إلى اللامكان إلى اللاوجود.. فلم يعد لدينا قاع لم نزره سواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى