نصوص

ليالي بهية.. ق..ق: محمد نصار

ليالي بهية.. ق..ق

بقلم: محمد نصار/ أديب فلسطيني 

لم تكن بهية واحدة من النساء، بل كانت آية من الآيات وسحر يتغشى، فيخطف القلوب والألباب، قوام فارع.. بياض مشرب بحمرة ساحرة وشعر كليل كانون في حلكته ..عينان غجريتان بأهداب طويلة وعود يتثنى كالخيزران، ما أن كنا نسمع بقدومها إلى فرح ما، حتى نتقدم الصفوف لرؤية مفاتنها وسحرها الأخاذ، رغم الصفعات والركلات، التي كنا ننالها ممن هم أكبر سنا منا ويزاحمون على المكان.

كنت يومها في السابعة أو الثامنة من عمري وذلك ما قبل النكسة بثلاث أو أربع سنين وقد اعتاد الناس في حينه، على إحضار الجناكي ” الغجريات” إلى أفراحهم، إما برفقة الأب أو الزوج، أما بهية فكانت دائمة الحضور برفقة أبيها الشيخ عز، مقابل مبلغ من المال، فالشيخ عز هو مختار النور” الغجر” في تلك الناحية، يعيش على الحفلات التي تحيها ابنته والتي يرافقها فيها، حيث العشاء الفاخر وعلب السجائر التي يحظى بها، إضافة إلى النقطة التي ينثرها الميسورون من المدعوين والمغرمين على ابنته وفي أيام الشتاء التي تكسد فيها بضاعتها، تسرع الخطى إلى مضاربهم القريبة من الحي، لأشخاص بعينهم، تراهم زمرا وأفرادا ينقادون إلى خيمة الشيخ ، حيث الطبل والرقص إلى مطلع الفجر.

في آخر مرة شاهدت بهية، كانت في فرح لأحد أقاربي وذلك قبل النكسة بعام تقريبا، اشتعل حينها الحفل في الثلث الأخير من الليل، بوجود قلة من المدعوين وبعض الأقارب والأنسباء، الذين قرروا المبيت في الفرح وفي ذروة الحماس الذي أشعلته بهية بعروضها الفاتنة، تقدم أحد الرجال لوضع النقطة بين نهديها وعلى الفور صرخت وانسحبت من الساحة، فما كان من والدها، إلا أن انتفض واقفا واهتزت شواربه ، ثم كال بعض الشتائم، التي لم نفهم شيئا منها وسحب ابنته مهددا بالانصراف، فتجمع أهل الفرح وراحوا يعتذرون له ويسترضونه، ثم دس أحدهم مبلغا من المال في يده، فهدأت سريرته واهتزت شواربه هزة مغايرة، رقصت على إثرها بهية كما لم ترقص من قبل.

زر الذهاب إلى الأعلى