ثقافة

اللغة العربية: يوم واحد لا يكفي

اللغة العربية: يوم واحد لا يكفي

صفاء حميد- خاص اليمامة الجديدة

في خمسينيات القرن الماضي بدأت جهود الضغط الدبلوماسي العربي في الأمم المتحدة، في محاولات إلحاق اللغة العربية بقائمة اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وقد استمرت هذه الجهود ما يقارب الربع قرن، تحققت خلالها إنجازات تدريجية.

فقد أسفرت هذه الجهود عن صدور قرار عام 1954، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة سنوياً، مع اشتراط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وأن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية.

ثم عام 1960، قررت اليونيسكو استخدام اللغة العربية في الموتمرات الإقليمية في المنطقة العربية، ثم تلا ذلك إنجاز اهم عام 1968 قضى باعتماد العربية تدريجياً لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية.

وأخيراً وعام 1973 اعتمدت اللغة العربية لغة رسمية في الجمعية وهيئاتها.

وهكذا جاء اليوم العالمي للغة العربية في تاريخ 18 كانون الأول من كلّ عام، وهو التاريخ الذي يصادف اليوم الذي التحقت فيه اللغة العربية بقائمة لغات الأمم المتحدة.

وهنا تكمن إحدى المفارقات التي لا تقل شاناً عن أيّ مفارقةٍ تخضع لها لغتنا أو منطقتنا العربية.

ففي حين تأتي أيام لغاتٍ كالإنجليزية والإسبانية وغيرها في تواريخ ميلاد أو وفاة شخصيات أدبية مشهورة، مثل شكسبير وميغيل دي سرفانتس، يأتي يوم اللغة العربية في تاريخ إلحاقها بلغات الأمم المتحدة بلغات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكأن القائمين على هذا يريدون أن يصدّروا صورةً بفقر هذه اللغة، وهو ما نعرف نحن كروّاد وناطقين للعربية مدى إجحافه، فلغةٌ كلغتنا، كانت ولا تزال لغةً ولّادة، تنجب المبدعين بالعشرات على مر الأزمان، فمن أصحاب المعلقات قديماً، والذين شكّلت قصائدهم جزءاً لا يتجزأ من تراثنا العربي القيّم، إلى أصحاب المقامات، وإلى رواد الشعر العربي الحديث، ومبدعي الروايات والقصص القصيرة.
أسماء كثيرةٌ لمعت وحملت اللغة على عاتقها، وهذا ما يدفع هنا سؤالاً إلى الواجهة، فلماذا لا يكون يوم لغتنا، متصلاً بحدث عظيم كميلاد امرؤ القيس مثلاً، أو وفاة المتنبي، لماذا يرتبط يومٌ مهم كهذا بحدث مثل حدث الاعتراف باللغة لغة عالومية، ويكءنّ اللغة كانت غائبةً، حتى مُنَحت هذا الاعتراف.

إنّ لغةً حيّةً كلغتنا لا تزال قادرةً على التفاعل والتجدّد والإنجاب شعراً ونثراً، ولا تزال لغةً حية في الترجمة منها وإليها، لغةً تأبى أن تُزاح عن عرشها.

لغة كعربيّتنا لا يكفي يومٌ واحد للاحتفال بها، فما بالكم لو كان يوماً قرر فيها مندوبون عن العالم، الاعتراف بها!

وأخيراً، ليس اليوم فقط بلك كلّ يومٍ جديد كل يوم ونحن ولغتنا بخير كلّ عام ونحن أصاحب اللغة التي تعد من أقدم لغات العالم وأهمّها و التي لا يمكن تجاهل متحدثيها  في أيّ محفل، اللغة التي مهما بُذل من جهود لمحوِها على مدار سنوات من الاستعمار العسكري والثقافي، ظلّت وستظلّ نابضةً بالحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى