ثقافةملفات اليمامة

المتنبي والسرقات الشعرية

المتنبي والسرقات الشعرية

هيئة التحرير- خاص اليمامة الجديدة

في مفهوم السرقات الشعرية:

    هي بمفهومها البسيط والمعروف، أن يعمد شاعر لاحق، فيأخذ من شعر الشاعر السابق: بيتاً شعرياً، أو شطر بيت، أو صورة فنية، أو حتى معنى ما..

   ولو بحثنا في نتاج كل شاعر سنجد آثار شُعراء آخرين، فكل شاعر هو خُلاصة تجارب سابقة بشكل أو بآخر إضافة إلى ثقافته وتجربته وبيئته، والدليل أن العرب كانوا ينصحون الشاعر أن يحفظ أربعين ألف بيت ثم ينساها جميعًا ويبدأ تجربته. إذن فالكثير مما يُعد سرقة شعرية يمكن إحالته إلى تأثر الشعراء ببعضهم أو التناص.

   وهنا نقدم  لمحة سريعة في موضوع السرقات الشعرية عند الشاعر العربي الكبير أحمد بن الحسن الكندي الكوفي، المعروف بأبي الطيب المتنبي.

  وهو من الشعراء الذين انشغل النقاد والباحثين بشعرهم، وحتى عامة الناس يرددون بعض أبياته حتى عصرنا الحاضر. ومن أبرز ما كتب عن المتنبي وتجربته الشعرية: كتاب” أبو الطيب المتنبي ما له وما عليه” للثعالبي صاحب يتيمة الدهر، وكتاب” الإبانة عن سرقات المتنبي لفظاً ومعنى” للعميدي، وشرح ديوان المتنبي لابن جني.

ولعل كتاب “الوساطة بين المتنبي وخصومه” للقاضي الجرجاني يُعد من أهم ما كتب في موضوع السرقات الشعرية  عند المتنبي، وأرى أنه أنصف المتنبي من خلال نظرته إلى السرقات الشعرية إذ يقول: “ومتى أجهد أحدنا نفسه، وأعمل فكرة وأتعب خاطره وذهنه في تحصيل معنى يظنه غريباً مبتدعاً، ونظم بيت يحسبه فرداً مخترعاً ثم تصفح الدواوين لم يخطئه أن يجده بعينه أو يجد له مثالاً يغض من حسنه، ولهذا السبب أحظر على نفسي، ولا أرى لغيري، بت الحكم على شاعر بالسرقة”. ( مرجع وسيط: إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص316).

 إذن نتفق مع الجرجاني في أن الشاعر مهما حَفرَ عميقًا في اللغة والخيال لا يستطيع التخلص من تأثره بالتراث الشعري الهائل الذي خلفه السابقون.

ومن الأمثلة  على سرقات المتنبي الشعرية التي أوردها أحمد العميدي في كتابه “الإبانة عن سرقات المتنبي”:

أولًا- الزعم بسرقة المتنبي من ابن الرومي:

قال ابن الرومي:

شكوى لو أنّىَ أشكوها إلى جبل … أصمّ ممتنع الأركان لانفلقا

قال المتنبي:

ولو حُمّلتْ صُمُّ الجبال الذي بنا … غداة افترقنا أوشكت تتصدّع

ويُعلق: لم يقصر المتنبي؛ أبدل الانفلاق بالتصدّع.

 نستطيع أن نتفق مع العميدي في أن بيت ابن الرومي أبلغ وأدل على المعنى( الحزن)، فالمتنبي غير أنه استخدم التصدع الذي هو أقل من دلالة الانفلات، أي الانهيار الكامل، قال( أوشكت) وفيها عدم وقوع الشيء. وهذا ربما يقودنا إلى القول بأن المتنبي متكلف في نظمه للبيت. وفي كل حال لا يعني هذا التشابه الكبير بين البيتين بأن الثاني سرق معنى الأول، فالقارئ العارف بحياة المتنبي وشخصيته وقريحته الشعرية يرفض قطعًا هذا الزعم.

 ثانيًا- الزعم بسرقة المتنبي من أبي تمام:

قال أبو تمام:

أما إنه لولا الخليط المودَّع … وربعٌ عفا منه مصيفٌ ومربع

له منظر في العين أبيضُ ناصعٌ … ولكنه في القلب أسود أسفع

المتنبي:

ابْعَدْ بَعِدْتَ بياضاً لا بياضَ لَهُ … لأنت أَسْودُ في عَينِي من اّلْظُّلَمِ

لا نستطيع نفي التشابه الكبير بين البيتين ولكن يحسب للمتنبي نزوعه إلى الفلسفة بقوله” بياضاً لا بياضَ لَهُ”، وهذا لا يعني أيضًا السرقة. ولا ننسى أن الشاعرين من عصر واحد نهلوا من نفس الثقافة وعاشوا ظروف حياة متشابه.

تعليق واحد

  1. ما أراه أن بتيني المتنبي وابن الرومي رغم تقارب التشبيه بينهما او تطابقه الا أنني لا أحسبها من السرقة، بل هي من توارد الخواطر، او مما اهتضمته ذاكرة المتنبي، والذي يعزى الى موضوعة التناص طبقا لبول فاليري:( ما الأسد الا بعض خرف مهضومة)، او هو من التشبيهات القريبة المأخذ والمتداولة.
    ولو نظرنا بتمعن في البتين لوجدنا أن بيت المتنبي أقرب مصداقية في تحقق التشبيه،، فحالة انفلاق الجبل من الامور المحالة، والتشبيه بالمحال محال. بينما كان تشبيه المتنبي ( تصدع الجبل) اكثر واقعية ومنطقية على اعتبار أن التصدع من الممكنات؛ ولذلك استخدمه القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر : 21] ولم يقل منفقا او متفلقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى