ثقافة

المرأة معيار لإنسانية الرجل: عامر الطيب

المرأة معيار لإنسانية الرجل

عامر الطيب/ كاتب وشاعر عراقي

ثمة خطأ ما، إنني لا أشعر بالنشوة وأنا ألمِّع أرضية المطبخ!

بيتي فريدان/ كتاب اللغز الأنثوي

ذات مرة طُلبَ مني رأي بخصوص (الكتابة عن المرأة) لمجلة نسوية، فلفتت نظر المجلة بأن رؤيتي بسيطة وهي استبدال حرف (عن) بحرف (مع).
على مر التاريخ قرأنا كتباً وقصائد عن المرأة، مسرحيات وأفلام و أغانٍ لم تقدم المرأة من خلالها خطوة واحدة نحو تحريرها بل فعلت العكس؛ حوَّلتها إلى قارورة أو متعة أو حورية، إلى جسد لتحرير أخطاء الرجل ومنديل لتجفيف دموعه أيضاً، وبالسياق ذاته يوجد أدب نسوي فحسب بل إن الأدب إذا لم يكن نسوياً فلن أعتبره أدباً من الأساس.
إنني لا أجد قيمة محببة في الحادثة التي دافع بها يسوع عن الزانية بأنه – من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر-؛ فهذا نسق ساهم بتشجيع رجم المرأة إن كانت زانية على اعتبار أن ثمة رجال لا يخطؤون كالأنبياء والأئمة المعصومين مثلاً!
في بداية كتابه (نجوم السينما) يرى إدغار موران، الفيلسوف الفرنسي الذي احتفل بعيد ميلاده المئة قبل أسابيع، بأن تحويل الفنان إلى نجم يعني تحويله إلى سلعة أو لافتة إعلانات، وبالنظر إلى ما تنطوي عليه كلمة نجم من إعجاز وعلو وسمو يَخيَّل لنا أننا أمام جمال ساطع لا يمكن رؤيته، وقيمة عالية لا نحلم بالوصول إليها، وقد جرى ذلك مع المرأة أيضاً. تحويلها إلى جمال ساحر أو نفس غامضة لا يعرف حتى فرويد ماذا تريد، مع أن مطالبها ومشاعرها حقيقية واضحة، وأحلامها ملموسة وأليفة أيضاً.
قبل عقود نشرت الناشطة الأمريكية نعومي وولف كتاباً أثار جدلاً واسعاً حمل عنوان “أسطورة الجمال” أو “خرافة الجمال”. حاولت وولف واضعةً يديها على خلل مجتمعي راسخ، أن تفضح النظرة التي تعرض المرأة ككائن جميل. جمالها هو أهم ما يمكنها تقديمه، أن تكون المرأة إعلاناً فهو أمر قاسٍ حيث تبدو مجرد دعاية لأن يستهلكها الناس.
وترى وولف بمرارة أن الانصياع لقيم المجتمع الصبيانية واللهاث خلف عمليات التجميل يصدم المرأة لاحقاً بمحنة التقدم بالعمر، الأمر الذي يجعل قلة من النساء هن اللواتي لا يشعرن بالاشمئزاز من تجاعيدهن أو هرمهن مثلاً.

إن عدم تحرر المرأة اقتصادياً جعلها كائناً محاصراً بين رؤيتين، في الأولى هي محض أسطورة أو جنس غامض، أو عالم فائق الجمال فحسب، وهي رؤية يساهم الدين والأدب والفن – الشعر خصوصاً- بترسيخها. أما الرؤية الأخرى فهي التي تعتبر المرأة مخلوقاً عاطفياً لا يمتلك عضلات الرجل وقوته، تلك الرؤية التي أيَّدها العلم في فترات صباه أيضاً.
وهي رؤية مفرغة ببساطة لأن الحكمة لا ترتبط بالقوة سوى في عالم الغاب، فكون الرجال هم الأقدر على رفع الأثقال لا يعني أنهم الأفضل في اتخاذ القرارات، وكونهم الأقدر على حمل السلاح لا يوحي بأنهم الأنجح بإنهاء الحرب.
في كتاب لها بعنوان (غرفة تخص المرء وحده) تختصر فرجيينا وولف النسوية بعبارة واحدة: “إذا أرادت المرأة الكتابة فينبغي أن تكون لها غرفة ودخل منتظم.” والحقيقة أنها عبارة ذكية لأن ما تحتاجه المرأة هو ما يحتاجه المبدع أياً كان جنسه.
لقد مرت النسوية كتيار بمراحل ثلاث، في الأولى كانت محض مطالبة برفع الظلم والحيف، وشهدت هذه المرحلة كتاباً رائداً حمل عنوان (دفاع عن حقوق المرأة) للكاتبة ماري ولستون كرافت، وهي كاتبة بريطانية ألفت كتابها بعد إعجابها بكتاب “حقوق الإنسان” للفيلسوف “توماس بين”، ولاقى كتابها جدلاً واعتراضاً شديداً فقد نبهت للمرة الأولى أن تكون للمرأة حقوق في العمل وفي العلم، وأن تكون طبيبة، ودعت أيضاً للتعليم المختلط.
وكرافت التي ماتت بعمر مبكر هي التي وصفت نساء جيلها اللواتي يقدمن أنفسهن كسلعة بالطيور ذوات الريش.
أما المرحلة الثانية فقد كانت مرحلة المساواة مع الرجل، بمعنى أن تكون المرأة رجلاً ثم جاءت بعد ذلك المرحلة التي تعيشها النساء الآن ،إنهن لسن رجالاً، لسن أفضل منهم ولا أقل منهم، لسن كائنات غامضات أو كائنات عاطفيات فحسب.
على مدى قرون كافحت المرأة بقدر يستحق الإجلال حتى حصلت على حقوق ما كان بإمكانها الحصول عليها لو ظلت مؤمنة بما تؤمن به نساء كثيرات حتى اللحظة؛ بأنهن كائنات فائقات الجمال فقط.
عرفت المرأة نقاط ضعف النظام الصبياني واستطاعت مقاومته وهزمه في أحيان كثيرة، ومن طريف الحركات النسوية ما ظهر في إيطاليا عندما قامت العاملات بالمتاجر بالإضراب عن الابتسام بوجه الزبائن حتى تُرفع أجورهن.
الحركة النسوية – ببساطة- هي حركة إنسانية لا تخص المرأة وحدها، إنما تخص الرجل أيضاً باعتبارها حركة ترفض تقسيم العالم إلى ذكر و أنثى، أسود و أبيض، مستعمر ومغلوب، بدائي ومتحضر.
إنها حركة ضد الظلم أولاً و أخيراً، الظلم الذي يسحق الكرامة البشرية ويجعل النساء مجرد أدوات وفواكه وأساطير، وإنه لمن المعيب أن يردد الناس جميعاً مقولة تضع المرأة كوجه حسن مع الماء والعشب فقط، وهي ليست مقولة فحسب إنما قناعة راسخة يروَّج لها بطريقة ما وتتبعها سياسة الكثير من القنوات الفضائية والصحف والمهرجانات الشعرية ودور السينما والغناء، وقد روى الملحن “حلمي بكر” ذات مرة كيف طلب منه الموسيقار عبد الوهاب التلحين للطيفة التونسية، وعندما تحفَّظ بكر على صوتها أخبره عبد الوهاب أن قدميِّ الفنانة التونسية تعجبانه للغاية.
طالب جان جاك روسو، وهو أبرز مفكري عصر التنوير، بتربية النساء على أساس علاقتهن بالرجال “أن يسعدن الرجال، أن يعاملن الرجال كأطفال ويهتمن بهم كبالغين” وهو المعنى الراسخ نفسه في ذهنية الرجل، والذي يعيد نزار قباني صياغته “أن الرجال جميعهم أطفال”!
ما ينبغي ملاحظته أن انتصارات المرأة لم تكن انتصارات شاملة وحقوقهن أيضاً، فما تعانيه المرأة العراقية أو اليمنية لهو أبشع مما تعانيه نساء في بلد أكثر تقدماً، ونضال النساء هنا أبلغ مشقة فالنظام العشائري والديني والثقافي أشد صلابة ودفاعاً عن نفسه وعن قيمه.
إن أي حق تحصل عليه المرأة سيدفعها للمطالبة بحقوق أخرى صادمة بالنسبة للرجل، وهي النظرة التي تلخصها الحكمة الأبوية بمواجهة الأبناء “اليوم تدخن، غداً تشرب عرق”.
في النهاية لا أحد ينكر أن المرأة كائن جميل ومذهل مقارنة بالرجل أو بأي مخلوق آخر، لكن قيمتها الجمالية والإنسانية لا تكمن بما وهبته لها الطبيعة إنما بما تهبه هي للعالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى