مقالات رئيس التحرير

النص الأدبي بين الجرأة وانعدام الأدب: جواد العقاد

النص الأدبي بين الجرأة وانعدام الأدب

بقلم: جواد العقاد/ رئيس التحرير 

ما يجعل الأدب أدباً هو الأسلوب، أي ذلك الإعجاز في تفاعل المفردات مع بعضها لأداء المعنى بشكل يعجز عنه الكلام اليومي، لهذا وُجد الأدب أصلاً، إذن فالقيمة الأولى للنص الأدبي هي لُغويّة؛ لُغة الأدب تتمايز جماليّاً عن اللغة اليوميّة، والحكم الأول على جودة النص من هذا المنظور.

فلا تكمن القيمة في المعنى ذاته بل في كيفية أدائه، وهذا ما يُنتج الصورة الأدبية، فحين يقول شاعر لفتاة “أنتِ جميلة” لن يقولها هكذا كالإنسان العادي، ولنا أن نضرب مثالاً:

يقول نزار قباني في الغزل:

“يا امرأةً لا تتكرر في آلاف الأزمان

يا امرأةً ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني..”. يريد الشاعر القول إن هذه الأنثى جميلة، ولكنّه أدى المعنى بشكل جعل منه شعراً، وهكذا…

والأدب يجب أن يكون ربَّ الحريّة، لا يعرف التابوهات ولا ما يحزنون، يُحلّق الأديب في فضاء المطلق باحثاً عن ملائكة الدهشة، مخترقاً السماوات السبع إلى سماء ثامنة، ونصدقه لو قال إن الشمس تُشرق من الغرب، أو قال إن عشيقته أجمل من آلهة الإغريق مجتمعة وأن خصرها صراط مستقيم يعرف طريق جهنم جيداً، ولا يُعتب عليه إن تشبه بالأنبياء أو ادّعى النبوة في النص، كأبي الطيّب المتنبي.

لا أدب جيّد بلا حُريّة، فالنصُّ الأدبي الجيِّد هو الذي لا يعرف حدوداً، لكنه يقف عند خط أحمر أوحد وهو الهويّة الأدبية، فيحرص على عدم الخروج عن الأدب لغة وصورة وعاطفة بالضرورة. وإن الجرأة مبررة داخل الأدب مهما كانت، على الأقل من وجهة نظري، ولكن قلة الأدب الحقيقية هي أن تُعلّقَ على “شمّاعة الأدب” جرأة وإباحية لا تمتُّ إلى لغة الأدب وصورته بصلة. وجمال النص يُدافع عن مضمونه، أما النص المدّعي فلن يمثل أكثر من غبار على معطف الأدب الثقيل، والجرأة في هذه الحالة تفريغ كبت أو رغبة في “الترند”.

الجرأة- بمعناها الواسع- في الأدب بحدِّ ذاتها قضية تستحق الدفاع، فحين نتأمل كتابات نزار قباني في الغزل الحسي الجريئة لفظاً وصورة، ندرك أهمية كسر الحدود كلّها في الأدب، فهو كان يُدافع عن قضايا المرأة وحريتها الجسدية كجزءٍ من كينونتها، ولعل نزار سبق الفكر النسوي بقرون ضوئية في هذا الموضوع، وديوان” يوميات امرأة لا مبالية.” خيرُ شاهدٍ، والحديث يطول…

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

جواد العقّاد/ غزّة/ 27 أكتوبر 2021م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى