مجتمع

«النطف المهرّبة».. الأسرى يتحدون السجان ويصنعون الحياة رغم القيود 

«النطف المهرّبة».. الأسرى يتحدون السجان ويصنعون الحياة رغم القيود

اليمامة الجديدة – محمد النعسان

الجميع ينتظر.. يترقب.. تمضي الساعات والدقائق بتباطؤ.. يُكرر “عُبادة” طوافه حول المشفى يميناً ويساراً، إنه اليوم الموعود، وفجأة.. علت الضحكات في المكان، وعمَّت السعادة في الأرجاء، لقد وُلِد “وطن”.

“وطن” الذي أبصر نور الحياة عن طريق نطفة مهربة، لن يترعرع بين أحضان أبيه الأسير محمد متعب طحاينة من بلدة السيلة الحارثية غربي محافظة جنين؛ الذي يقضي مدة محكوميته البالغة 19 عاماً في سجن النقب الإسرائيلي، منذ العام 2003م.

وفي رسالة تحدٍّ وصمود، تُهرِّب بعض زوجات الأسرى نُطفاً من الحيوانات المنوية لأزواجهن القابعين خلف السجون؛ وإخصابها مع بويضاتهن خارج الرحم، ثم زراعتها داخله، في مركز طبي متخصص؛ بهدف الحمل.

بارقة أمل

ولم يُخفِ عُبادة طحاينة، نجل الأسير “محمد”، سعادته وفرحته بقدوم شقيقه الجديد.

ويقول طحاينة، في مقابلة صحفية مع “اليمامة الجديدة”: “استقبلنا “وطن” بحفاوة كبيرة، وسط أجواء من الفرح والسعادة وزغاريد الأهل.

ويُضيف: “هذا الانجاز الكبير يُعدُّ بارقة أمل للأسرى، الذين يُفنون أعمارهم خلف السجون، ويُشكِّل تحدياً كبيراً وكابوساً يُؤرِّق السجان الذي يُحاول محو الهوية الفلسطينية، ومحو أي شيء يدل على الإنسان الفلسطيني”، مستدركاً: “لكن هيهات هيهات أن تتحقق أوهامه”.

ولم يُبيِّن طحاينة، الآلية التي استطاعوا عبرها تهريب النطفة؛ خوفاً من ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي للأسرى، لكنه أكد أنها تُعبِّر عن إرادة الأسرى ورفضهم لقيود الاحتلال.

ويُوضح أن المولود “وطن” هو الطفل الثاني للأسير “محمد” من خلال النطف المهربة، إذ نجحوا في العام 2018م في تهريب نطفة وُلد منها “دانيال”.

وتكريماً لهم، يُلقِّب الفلسطينيون أطفال النطف المهربة باسم “سفراء الحرية”.

وبولادة الطفل “طحاينة” يصل عدد سفراء الحرية إلى 100 طفل، حسبما أفادت مؤسسة مهجة القدس للشهداء والأسرى.

تحدي للسجان

ويروي الأسير المحرر تامر الزعانين من قطاع غزة، تجربته في ولادة نجله البِكِر عبر النطف المهربة.

وتنسم الزعانين عبير الحرية في الرابع من نوفمبر من العام 2018م، بعد أن أمضى 12 عاماً خلف قضبان السجون.

ويقول الزعانين ل”اليمامة الجديدة”: “إن الفكرة بدأت حين اقترحت زوجته عليه تهريبَ نطفة من داخل الأسر، وإجراء عملية الزراعة في أحد المراكز المتخصصة بالانجاب في قطاع غزة”.

وبعد تفكير ومشاورة لأهله واخوانه الأسرى، وافق الزعانين، وتمكَّن من إرسال نطفةٍ إلى قطاع غزة.

ونجحت عملية الزراعة من المرة الأولى، ليتنسم “حسن” عبق الحياة في شهر يناير من العام 2014.

و”حسن” هو أول مولود من قطاع غزة، عن طريق “النطف المهربة”.

ويُؤكد الناطق باسم مهجة القدس، أن تجربة “سفراء الحرية” ليست بالأمر السهل؛ كوننا نعيش في مجتمع مُحافظ ومُتمسك بعاداته وتقاليده، ويَصعب عليه قبول هذه الفكرة، لكنه أوضح أنه في حال كان الأمر مُتعلقاً بالأسرى؛ فإن الشعب الفلسطيني يكون داعماً ومؤيداً لكل الأفكار التي من شأنها تعزيز صمودهم وثباتهم.

ويُشدِّد: “يُشترط -فور نجاح عملية الزراعة وحدوث الحمل- إشهار هذا الخبر في وسائل الإعلام المحلية؛ لتأكيد نسب الطفل لوالده، ودفعاً للشبهات والتأويلات”.

ويُوضح الزعانين: “يُحاول الاحتلال قتلَ الأسير الفلسطيني من خلال اعتقاله وحرمانه من الانجاب، إلا أن الأسرى ثابتون صامدون يُقاومون بشتى الطريق”.

ويُتابع: “ابتكار هذه الطريقة للانجاب، هو نوع من أنواع المقاومة، ورسالة تحدٍّ للاحتلال الإسرائيلي ؛ فرغم عتمة السجون سيكون “أبناؤنا” نوراً يحملون الهم الفلسطيني، وبارقة أمل للأسرى، فنحن شعب يصنع الحياة من بين القضبان”.

موقف الشريعة

وتباينت الآراء حول شرعية عملية التلقيح باستخدام النطف المهربة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

وأفتى خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، بجواز إجراء عملية التلقيح لزوجات الأسرى في السجون، وخاصة الذين يخشون عدم القدرة على الإنجاب بعد خروجهم من أسرهم؛ نظراً لطول مدة محكوميتهم.

وقال صبري: “لا مانع شرعاً من إجراء عملية التلقيح لزوجة الأسير في سجون الاحتلال، سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أم لا”.

وفي العام 2012م، سُجلّت أول قصة نجاح لولادة طفل بواسطة النطف المهربة، عندما هرّب الأسير عمار الزبن، من الضفة الغربية، نطفةً إلى زوجته، ورُزق مولوده الأول “مهند”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى