مجتمع

“اليوتيوبر” مهنة من لا مهنة له

“اليوتيوبر” مهنة من لا مهنة له

دانا أبوزيد ـ خاص اليمامة الجديدة

“اليوتيوبر” هو الظاهرة المتفشية في المجتمع التي غزت العقول واخترقت البيوت لتخالف المبادئ و القيم، و هو العالم الذي يدخله كل مهووس بالشهرة دون أدنى هدف أو فائدة تذكر.
منذ انطلاق النافذة الحمراء عام 2005 بدأت مجموعات من الشبان بإنشاء  قنوات خاصة  بهم على اليوتيوب يقدمون من خلالها محتويات متنوعة مثل : نصائح، مواقف مضحكة، تعليم التجميل و الطهي، معلومات أو أخبار قد تحمل اشاعات زائفة، و استمرت هذه الظاهرة بالتوسع لتشمل جميع جوانب الحياة و لتقتحم المهن دون معرفة مصادر معلوماتها أو خلفياتها.
في الحقيقة يمكن تقسيم اليوتيوبرز إلى فريقين أحدهما يحاول و يجتهد لتقديم محتوى هادف يساهم في إغناء المشاهد بمعلومات قيمة و الذي رغم قلة عدده نقدر جهوده بالطبع، و الفريق الثاني الذي يشكل الغالبية العظمى، فهو المهتم بتكوين أكبر عدد من المتابعين من أجل الحصول على الربح الوافر و السريع وفي سبيل ذلك فهو مستعد لتقديم أي محتوى مهما كان و مهما بلغت سخافته.
ففي الوقت الذي نجد به قنوات تعليمية هادفة في المجالات المختلفة كتعليم اللغات و شرح المناهج التربوية، اكتساب المهارات المتنوعة، إلا أننا نرى انتشاراً أوسع لقنوات محتواها سطحي و غير مسؤول مما أثر سلباً على سلوكيات المتلقي الذي يدفعه فضوله لمتابعة المحتوى الغير مألوف، و الذي بمرور الوقت يعتقد أن “اليوتيوبر” هو قدوة و مثال يحتذى به و يؤخذ بنصائحه، لتتحول  فيما بعد قناته إلى منبر دون معرفة ما هي أهدافه و هويته و خلفيته الثقافية و ذلك للأسف الشديد لعدم وجود رقابة أو قيود.
المشكلة الأساسية  تكمن في عدم وجود الكفاءة و الوعي لدى مقدمي المحتوى بأهمية الإعلام في تقديم الصورة الصحيحة و الكاملة، و بتأثيره و قدرته على تغيير المجتمع، فالفرق شاسع بين مادة الإعلام التي يعمل على إعدادها و تدقيقها فريق مختص متكامل، و مادة اليوتيوب التي بالكاد يعرف مصدرها، ليس المقصود هنا التقليل من أهمية المنصة الجماهيرية بل على العكس الهدف هو الانتباه للمحتوى و تدارك الأخطاء التي تزداد فجوتها على المدى البعيد، والأهم هو دراسة المحتوى من قبل جهات مسؤولة تابعة للإعلام بضوابط معينة لإخراجه بأفضل صورة ممكنة.
المشكلة الكارثية الثانية هي تنمية الفكر المادي على حساب الفكر المعنوي حيث أصبح هدف اليوتيوبر هو تحصيل المال بأسهل طريقة ممكنة و بأسهل الوسائل المتوفرة من تسلية و دناءة  لاستدراج المشاهد إلى إضاعة وقته بانحلال ثقافي و أخلاقي في أبعد ما يكون عن القيم المجتمعية.
فنرى منهم من يقدم تفاصيل حياته الخاصة، و منهم من يقدم تحديات و مقالب و بعضهم مهووس ألعاب و آخرون يشغلهم التمثيل الكاذب (الادعاء بالمرض أو الحمل أو المشاكل) و ذلك  لجذب أكبر عدد من المتابعين و هذا ما يتنافى مع الأخلاق و المبادئ السامية
و من أبرز المشكلات الأخرى هو الخلط بين الفن و تقديم المحتوى فمن المعيب و المسيء أيضا أن نرى بعض اليوتيوبرز يصورون عملاً تمثيلياً أو غنائياً دون امتلاكهم أية مواهب أو أدوات فنية تذكر!.
و مازلنا نتساءل حول رأي الرقابة اتجاه تقديم المحتويات التي تهوي بالمجتمع و تفسد الأجيال، و نأمل بتعزيز دور المنصات الاعلامية لتوعية الأجيال نحو القيم الصحيحة، و الرفع من شأن الاعلام و الفن و عدم السماح بالمساس بمكانتهم الرفيعة و رفض المحتويات الهابطة و ذلك لإنقاذ الأجيال من الغرق في دوامات من التيه غرضها الأساسي تدمير هوية المجتمع العامل وتحويله إلى مجتمع يستسهل كل شيء دون عمل أو جدّ و طمس الأخلاق الرفيعة واستبدالها بسوء خلق يودي بأفراده إلى الحضيض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى