حواراتملفات اليمامة

بشرى أبو شرار في “حوار خاص”: ما يحدث في سوريا ملحمة للتحدي والصمود 

بشرى أبو شرار: ما يحدث في سوريا ملحمة للتحدي والصمود

تعد بشرى أبو شرار أحد أصوات المقاومة الفلسطينية المؤثرة، تسكنها القضية الفلسطينية، ومازالت تحلم بالعودة إلى هناك، كرست قلمها لقضيتها، قضية كل العرب، ومن هنا أصدرت مؤخرًا ثلاثيتها “مدن بطعم البارود” والتي توثق من خلالها لما يحدث في فلسطين وسوريا، حول تلك الملحمة الروائية كان لنا معها هذا اللقاء:

حوار: أشرف قاسم/ مصر

– يعد العمل على إنجاز ثلاثية روائية عملًا شاقًا ومُضنيًا، كيف جاءتك فكرة كتابة ثلاثية؟ وكيف استطعت قيادة وقتك لإنجازها؟ ولماذا ثلاثية؟ 

من عشرية النار عشت مواقيت الحرب التي أعادتني لزمن لا زال يسكنني منذ صيف 67. كانت طفولتي احتلالًا، منعَ تجوالٍ، مداهمات واعتقالًا، وحياة عشتها تشكلت منها “مدن بطعم البارود”. صرت هناك حيث شآمنا الغالي، ألملم دمعات الفقد لرحيل شهداء وأحبة. الفكرة لم تأتِ نزهة، بل عاد الجرح ينزف من جديد. كنت أضمد جروحي منذ عقود بعيدة، لكن عشرية النار نكأت كل الجراح. صرت هناك، أستقبل نهاري، أودعه على مرثية فقد من روح الوجع. كان جل وقتي هناك، لم أعد أجدني إلا من روح مدادٍ وقلمٍ وأوراقٍ كتبتُها من روح الوجع. لم يخطر ببالي أنها ثلاثية، بل كل ما يؤرقني أن ألاحق الأحداث، ألملم الجراح، أحتوي منها ما يمكنني احتواءه. صرت حيث مطارح هُدِمتْ وأرواح أُزهقت ورجال قدموا حياتهم لأجل تراب وطنهم. هي حالة صرت إليها، لم أملك مواقيت عودتي والطائرات تغتال فضاء الحكايات وتشعل النار فينا. عشت عشرية النار وكل وقتي أرنو إلى روح الانتصار، يقين لم يغادرني أننا صامدون ولا زلنا نملك إرادة التحدي. أما لماذا الثلاثية؟ فهي صفحات كتبتها من مداد أقلامي وهي في الحقيقة من يكتبني. مضيت معها وإليها، لا أنسى يوم انتهيت من الجزء الأول “مدن بطعم البارود”، تحدثت مع الدكتور “نزار بني المرجة” أن حالة الكتابة لا زالت تسكنني والأحداث لا زالت مشتعلة، قال لي “استمري ولا تتوقفي” مضيت إلى ذلك الدرب الذي منه اكتملت ثلاثيتي، ولا زالت للحكاية بقية أحاول أن ألملم ما تبقى مني لتأخذني إلى روح وطن وطن..

– في الجزء الأول “مدن بطعم البارود” توصيف وتوثيق لما يحدث في سورية منذ أحداث الربيع العربي حتى اليوم، علام اتكأت الكاتبة في توثيق أحداث تلك الفترة المشتعلة من التاريخ السوري؟ 

هنا أنا اتكأت على ثوابت عشتها في فلسطيننا الغالية، وما تعلمته من والدي أننا يجب أن نفرق بين العدو والصديق، وسورية هي امتداد لفلسطين، هي شآمنا، وطننا، قبل تقسيم “سايكس بيكو” كل هذا أعادني إليها، وهي من قبل التاريخ أمان لنا ولم تغلق بابها في وجه من يلوذ إليها.

هي الرافد لكل عطاء ومحبة، سورية عاشت حربًا كونية وجودية، كنت ألاحق الأخبار والمشاهد الحية التي تنزف في عالم لم يعد يرى ولم يعد يسمع..

– كيف قرأتِ الوضع في سوريا في الجزء الأول من خلال تلك الشهادات الحية التي تشبه يوميات الحرب لأبناء سوريا من الكتاب والمثقفين الذين استعنت بكتاباتهم في هذا الجزء؟ 

يوميات الحرب التي كتبت من عشرية النار، هي توثيق لأجيال وأجيال. كنت أقرأ من نهر آلامهم، أراني بينهم، أقتسم معهم أوجاعهم. كتبت أسماء من عين الحقيقة، “حسن مهنا” يكتب لأمه: “يا أمي أنا أحبك ولكني أحب سورية أكثر”، “صفوح المصلح” رحل برصاص غدرهم، “ميرابو عاقل” ضحى بروحه لأجل تراب الوطن، “علي نظير خزام” غائب حاضر، يحيا بيننا، يحيا بحب هذا الوطن. علقت بدلته العسكرية بدونه، تركن للصمت المتقد بحكايات البطولة، وكلمات يرددها الكبار والصغار “يجب أن نزرع الفكرة، نحب وطننا، وكيف نكره أعداء الوطن” ص48.

يوميات هذه الحرب الكونية هي رسالة الكاتب تجاه وطنه وثوابته. إن لم نكتب ولم نوثق، من يكتب منا؟… يوم سألوا “يوسف إدريس”: لماذا تركت كتابة القصة القصيرة واتجهت لكتابة المقال؟ أجاب: “النار تشتعل في جلبابي، هل أتركها وأكتب القصة القصيرة؟!…” ونحن على نهج “إدريس” كتبنا ووثقنا أسماء وأحداثًا من عين الحقيقة، تستحق لأن تبقى في ذاكرتنا، جيلًا بعد جيل. هي ملحمة الوطن من روح التحدي والصمود.

– في الجزء الثالث من ثلاثيتك “تاج الياسمين” انتقلتِ إلى فلسطين، هل جاء ذلك كنوع من الربط فنيًا وإنسانيًا بين ما يجري هنا وما يجري هناك؟ أم كان نوعًا من التشبث بحلم العودة؟ 

– كان الربط والغزل بمغزل حلم العودة، هنا تتجلى كلمات المفتتح لتؤكد هذا المعنى، “على جدارية الوقت كتبنا حروفًا، من خيوط الشمس نجدلها، أنا في حلب، روحي في دمشق، قلبي في حمص، عيني على القدس”ص5.

– تخففتِ قليلًا من الرصد والتوثيق في الجزء الثاني من الثلاثية “قارورة عطر” وتركت لقلمك العنان لينسج أسطورته الخاصة، ويؤطر الواقع من خلال عطر الزمان والمكان، هل كان هذا الجزء استراحة محارب بين حربين؟ 

نعم، هي استراحة محارب بين حربين؛ لحظة انعتاق الذات من روح أنهكتها دروب الحروب وملاحقة الحلم فيها ووأد ما تبقى من ذلك الحلم. هي مواقيت من لملمة ما تبعثر من ذاتي المتعبة، ما بين حربين. “أصعد الوقت، وأنزله، أعاود الصعود كي أسقط، لا أعاند نفسي، أعاند الوقت بقلبي المكلوم وألمي المتصاعد.(ص232).

– يتجلى عنصر التخيل التاريخي بشكل واضح في ثلاثيتك, هل كان نوعًا من الهروب من الواقع القاسي؟ أم هو وجه آخر من أوجه التوثيق التي اتسمت بها أعمالك؟

لم يكن هناك متخيل، بل ما كتب كان ذلك الواقع الذي أدمى قلوبنا ولا زال جاثمًا على صدورنا، من أين لي أن آتي بالمتخيل وما عشناه ونعيشه وخطط له يفوق كل خيال؟، ما كتبته هو وجه آخر من التوثيق، لأن تزييف الحقائق يحوطنا، وما نكتبه سيكون من عين الحقيقة وعين الحقيقة لا تنام.

– تعتبر ثلاثيتك عملًا ملحميًا عظيمًا، كما يرى بعض النقاد، كيف ترينها أنت بعين المبدعة؟

– نعم هو عمل ملحمي، غاب عنه البطل الوحيد، عمل يضم شخوصًا ووطنًا وأمكنة، أحداث حاضرة فينا، وأحداث مضت ولا زلنا نعيش تداعياتها بقوة، وما سيتبقى لنا هي كتابة الأديب لزمن عاشه في حياته وكان هو مرآة هذا الزمان، هي أمانة الكاتب أن تكون له رسالة يخلص لها في مسيرة حياته.

– ما مشروعك الجديد الذي تعملين عليه الآن؟

أعيش وقتي ما بين هنا وهناك، هناك أستعيدني، من شمس وطن لا يطالها أفول، هناك أجدني، كما حلم ظل على طزاجته، ما بين هنا وهناك تولد الحكايات، ويزهر الجديد من ربيع هو مني وأنا منه، هكذا يمضي بي الوقت، ويقين يسكنني أن القادم أجمل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى