مقالات

جبر شعث يكتب: اليهودي الأعرج لهاني السالمي رواية الواقعية السياسية

اليهودي الأعرج لهاني السالمي

رواية الواقعية السياسية/ رواية الإدانة والمحاكمة

بقلم: جبر جميل شعث

كان أول من دعا إلى الواقعية في الأدب هو الروائي الفرنسي ( شنفلوري) وهو أول من استخدم هذا المصطلح للتعبير عن مفهوم الواقعية وذلك في منتصف القرن التاسع عشر ، كردة فعل على طغيان الرومانسية التي غرقت في الأحلام والأوهام والطوباويات ، وغيبت فعل العقل والمنطق والتجربة في النتاجات الأدبية عامة .وبعد ذلك تعددت مدارس المذهب الواقعي إلى الواقعية النقدية الفردية التي كان كتابها ينقلون الواقع كما هو دون محاولة تغييره ، والواقعية الاشتراكية التي ظهرت بعد الثورة البلشفية 1917 في الاتحاد السوفيتي ( سابقا) وكان رائدها (مكسيم جوركي) وتميزت هذه الواقعية بطغيان الأيديولوجيا التي كانت تحول العمل الأدبي إلى بيان سياسي مؤدلج وموجه . ثم جاءت الواقعية الطبيعية كامتداد للواقعية النقدية ولكنها اختلفت عنها بالموضوعية وبمحاولة جعل الأدب عامل تغيير في العالم وهذا بعكس الواقعية النقدية التي كانت جامدة بائسة مكتفية بالنقل الفوتوغرافي وحسب ، ومؤسس هذه الواقعية الطبيعية هما الأخوان الفرنسيان (ادمون وجول جونكور) ، ولكن (اميل زولا) هو الذي تسيّدها وكان رائدها الأبرز. ثم جاءت الواقعية النفسية وكان أبرز روادها ( ستاندال) وأخيراً الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية التي تربع ( ماركيز ) على عرشها .

يقول ( شنفلوري ) أول مستخدم لمصطلح الواقعية :

” ان الفن عموما ينبغي ان يقدم تمثيلا دقيقا للعالم الواقعي ولهذا يجب أن يدرس الحياة والعادات من خلال الملاحظة الدقيقة والتحليل المرهف وينبغي أن يؤدي هذه الوظيفة بطريقة موضوعية بدون عواطف ونزعات شخصية ومن هنا على الراوي أن يدرس قبل أي شيء مظهر الأشخاص ويسألهم ويمحص أجوبتهم ويتعرف على مساكنهم ويستجوب جيرانهم ثم يدون بعد ذلك حججه واضعا حدا لتدخل خياله الى أقصى درجة “.

 

انطلاقا من هذه التوطئة سنحاول إضاءة بعض جوانب الرواية التي نحن بصدد مقاربتها والتي نعدها رواية سياسية واقعية حسب المفهوم السابق فهي قد عالجت موضوعاً سياسيا مرتبطا بالوضع الني خلفته النكبة في أهم أثر من آثارها وهو مخيم اللجوء . وقد شكل المكان بطلا مركزيا في الرواية وفي فضاءاته تحركت الشخصيات عبر تقنيات السرد وأهمها الحوار الخارجي والداخلي .

لقد استطاع الكاتب أن يسلط الضوء على قضية جوهرية في صراعنا مع الدولة الصهيونية من حيث منبع الفكر الصهيوني دون أن يلصق هذا الفكر باليهودية كديانة فالصراع ليس دينياً ، بل سياسياً وجوديا .وقد أبرزت الرواية ذلك من خلال تعامل الناس مع اليهودي الأعرج الحسن ،وحسن معاشرتهم له ولكن نوايا كل طرف كانت مختلفة من حيث أن اليهودي الذي كان يساعد الناس في الطب وغيره كان يتخفى وراء أهداف ونيات سياسية استخبارية لخدمة الفكرة الصهيونية . أما الناس فكانوا على نياتهم الطيبة وهذا يعكس فكرة التعايش التي يمكن أن يتقبلها العربي المسلم إزاء اليهودي الذي تظل نياته وغاياته بعيدة عن فكرة التعايش.

لقد كان المكان بطلاً محورياً في الرواية كما قلنا ، وكانت الشخصيات تنمو درامياً وتؤثر في الأحداث التي تبدو غير مترابطة للقاريء المتعجل ولكن القراءة المتأنية لها ، تظهر غير ذلك . إن المكان والزمان والشخصيات والحوار بنوعيه كانوا كالمسبحة؛ حباتها متفرقة ولكن ينتظمها خيط رفيع واحد.

هل تدخل الكاتب في الرواية ؟ وهل يمكن للكاتب أن لا يتدخل في رواية هو كاتبها وصاحب رؤيتها ومهندس أمكنتها وخالق شخصياتها ومنسق ثيماتها وتقنياتها ؟ وهل مثل هذا التدخل يضعف من فنية الرواية ؟ هذه أسئلة لطالما اختلف فيها النقاد ولكن نقول : إن الكاتب لا يمكن له أن يكون حيادياً إزاء عمل من خلقه فلابد من تسلله إلى لسان الراوي وشخصيات الرواية من خلال رؤيا الكاتب التي من أجلها كتب روايته .ومن هنا نقول : إن مؤلف الرواية هاني السالمي , قد ظهر بشكل جلي فيها من خلال شخصية (نسيم الكرتاوي) صديق ولصيق الرصيف الذي يتعاطى الكتابة ويحج إلى رصيفه، الهواة والمتمرسون في الكتابة وفي أشكال الإبداع الأخرى ومن خلال رسمه لطقوس خاصة لحياته الرصيفية وكذلك من خلال محاولته تشكيل رؤيا لمفهوم الكتابة وما يصاحبها من تأملات التي قدمها كنصائح لشخصية (غسان) الذي استهوته الكتابة.

وبعد، فالرواية هي محاكمة للواقع المعيش المزري وكذلك لفترات سياسية مرت على فلسطين ،ومازلنا نعاني من تبعاتها،خاصة في قطاع غزة ، ومحاكمة للحزبية والتنظيمات وإدانة للمستوى السياسي بتشكلاته كافه الذي يتغنى بحب الأرض وينسى الإنسان الذي يعيش عليها. نحن أمام ( نوفيلا) قالت الكثير ووضعت على الجراح ملحا كثيراً . رواية المكان والزمان / كل من يقرؤها يجد مكاناً له فيها وزماناً عاشه أو ما زال يعيشه.

*رواية اليهودي الأعرج للروائي هاني السالمي صدرت عن دار مقام المصرية عام 2020

زر الذهاب إلى الأعلى