مجتمع

بين نار غزة والفعل الشعبي في القدس

بين نار غزة والفعل الشعبي في القدس


الكاتب شفيق التلولي

الضربات ثقيلة العيار التي تشهدها ساحة القتال في غزة تنذر بخيارين إما التصعيد المتبادل فيما بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية وصولا لحرب مفتوحة وإما إبرام اتفاق تهدئة تسعى لعقده دول عربية وجهات دولية وسيطة يحاول فيها كل طرف أن يملي شروطه.
في الحالتين نحن أمام خطر حقيقي فالخيار الأول لا أحد يقدر نتائجه لأن وقائع المعركة دائما ما تخالف التوقعات فعلى سبيل المثال عندما شنت “إسرائيل” عام 2014 عدوانا شرسا على قطاع غزة كانت تتوقع أن تجهز على منابع المقاومة لتتفاجأ بردها الذي استطاع أن يحدث توزانا في معادلة الرعب.
أما الخيار الثاني وهو الأرجح فإن نتائجه غير مضمونة إذ إن الطرفين يسعيان لإحراز نصر يتمثل بتحقيق مطالب كل منهما وجوهر هذا النصر المحتمل لكليهما هو القدس التي يحاول كل طرف أن يثبت أحقيته فيها كجوهر الصراع بل إنها فجرت كل هذا الوضع الذي نحن أمامه الآن.
هذا ما يجعلنا نفترض أن تتزايد الضربات المتلاحقة خلال الساعات القادمة وربما تستمر لعدة أيام وترتفع بشكل متواتر وصولا لاتفاق يفضي إلى إخلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي من محيط الشيخ جراح وربما إفساح المجال أمام المصلين للوصول للمسجد الأقصى ورفع القيود عن بوابات المدينة المقدسة مقابل وقف إطلاق النار المتبادل.
لكن أبدا لم تحقق المعركة الدائرة حلا جذريا للصراع الرئيس في المدى القريب يؤدي إلى حل سياسي لقضية القدس التي تمثلها السلطة الفلسطينية المطالبة بحل سياسي لها يضمن وجودها على الخريطة السياسية وذلك نظرا لعدم توافر البيئة السياسية المناسبة دوليا وإقليميا وعربيا وحتى محليا فالعالم كله ينشغل بقضاياه الداخلية في ظل حالة من الانهيار العربي بكل ما أخرجه “الربيع العربي” وما عرف بأزمة الدولة الوطنية التي بات يعانيها العديد من الأقطار العربية المؤثرة في القرار العربي والإقليمي والدولي.
كما وأن النقيض الاحتلالي يعاني من أزمة في نظامه السياسي بسبب عدم قدرته على تشكيل حكومة إسرائيلية ثابتة نتج عنها إجراء أربعة انتخابات للكنيست الإسرائيلي مما يجعل القدس في معرض بازار سباق تلك الانتخابات وبالتالي فإن تلك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا يمكن أن يكون بمقدورها التفاوض حولها كسبا لقوى اليمين المتصاعد وزنها في الحلبة الإسرائيلية.
كذلك فإن الساحة الفلسطينية الداخلية لم تستطع تجاوز أزمة الانقسام الحاصل وما أنتجه وهذا هو بيت القصيد فالحل الذي يعيدنا للخريطة السياسية ويجبر الفاعلين الدوليين على تبني مطلب الفلسطينيين بعقد مؤتمر دولي للسلام يضمن حلا لقضيتهم وفي مقدمتها القدس الشرقية العاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة هو تحقيق الوحدة الوطنية الفورية والتوافق على برنامج سياسي أساسه وحدانية القرار الفلسطيني وضمان استمرار الفعل الشعبي المقاوم الذي خاضه المقدسيون وتوسيع دائرة هذا الفعل وتعظيمه وخوض معركة اشتباك سياسية دبلوماسية قائمة على إستراتيجية جديدة موجهة وفاعلة.
خلاصة القول إن ما جرى في القدس وفجر الوضع بغزة يجب أن يبقى الأساس ولا بد من استثماره لصالح هذه القضية بما لا يضيع الثمن الكبير الذي دفع في تلك المعركة المصيرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى