ثقافة

شعر غزة المهاجر.. بقلم: جبر جميل شعث

شعر غزة المهاجر

بقلم: جبر جميل شعث/ شاعر وناقد 

لم يكن المشهد الثقافي بغزة بمنأى عن التغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية بعد اتفاق “أوسلو” الذي تمخض عنه قيام السلطة الوطنية في غزة وأريحا أولاً عام 1994م. بل ربما كان الأكثر تأثراً بتلك التغيرات والتحولات؛ كون من يمثلونه هم الأدباء والشعراء والتشكيليون والمسرحيون والسينمائيون، الذين يتميزون عن بقية الشرائح المجتمعية بالرؤيا الأكثر وعياً والأرحب أفقاً، والحساسية الخاصة والقلق وعدم الرضى والنزق، إن شئت. ولم يكن في غزة آنذاك مؤسسات ثقافية ولا مجامع يتنادى إليها المثقفون إلا اتحاد الكتاب الفلسطينيين الذي أنشيء وترسخ بفعل نضالات وتضحيات المثقفين كافةً. وقد ووجهت الحالة الثقافية بفلسطين، عامةً، بالنكران وعدم الاعتراف والاستكبار والتعالي من المثقفين الذين عادوا إلى الوطن مع العائدين، بُعيد تشكل السلطة الوطنية. لكن أمام المشهد الثقافي النوعي المتقدم الذي وجده أولئك المتعالون اضطروا للاعتراف به ولو على مضض، وحاولوا احتواءه وتدجينه وتجييره ضمن ثنائية السيد المتنفذ والتابع المحتاج، ونجحوا في ذلك إلى حد ما؛ بفعل ما لديهم من امتيازات وقدرات تنفيذية منحهم إياها السلطان الجديد. هذا الوضع الجديد لم يُرضِ كثيراً من المثقفين؛ لم يرضوا أن يطردوا من صدر البيت ويُزحزحوا إلى العتبة.

 

فكان التمرد والعصيان ليس على الأشخاص، وإنما على أساليب التعبير وجوهر المضمونات؛ فبعد أن كان الأسلوب يتمثل الجمعي، اتجه في شبه انقلاب إلى النزعة الفردية البحتة، وبعد أن كان المضمون حبيس رومانسية الثوار، والبكاء على الفردوس المفقود – حتى لو كان بكاءً كذباً – وما يلزم هذا البكاء وتلك الرومانسية الباهتة من مفردات من قبيل الرصاص والحجر والمخيم والسجن وما شابه. وظهرت مفردات جديدة بدت للوهلة الأولى غريبة عن المشهد الشعري بغزة، معظمها كان يدور في مدار الأنا والآخر المشابه لها، والآيروسية والإنسانية.

 

ولا يجب أن يُفهم من هذا التحول أن شعراء غزة قد تخلوا إلى غير رجعة عن قضيتهم الوطنية، قضية الأرض والإنسان والحقوق والثوابت، ولكنهم اجترحوا أساليب ومفردات أخرى للتعبير الفني عنها، وبشكل أكثر إبداعًا وتفاعلاً أمام هذه التحولات والتغيرات والتبدلات التي طالت كل جوانب الحياة في غزة، أحس شعراؤها بالغربة، وبضياع كثير من أحلامهم البسيطة المشروعة، وانهيار مشروعهم الإبداعي – المفترض- آثر بعضهم الهجرة والهرب بشعرهم من المدينة التي ضاقوا بها وضاقت بقصائدهم، وبعضهم آثر الهجرة إلى الصمت والانسحاب الناعم إلى ذواتهم المضطرمة. وقد اختلفت أسباب هجرة بعض الشعراء؛ فمنهم من توهم أنه قد يحقق مشروعه الشعري الفردي بمنأى عن المدينة المحبطة، ومنهم من راح يبحث عن أفق للعيش الكريم، وعن الحرية التي يستطيع أن يتنفس شعرياً من خلالها، ومنهم من هاجر للدراسة أو لتحسين مستواه العلمي أو الظروف اجتماعية بحتة. ولكنهم جميعاً – رغم اختلاف الأسباب – تمثلوا قول الشاعر الصعلوك الشنفرى؛ “وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى”.

 

كان الشاعر خالد عبدالله أول المهاجرين إلى بلاد رامبو وبودلير بعد أن أصدر أولى مجموعاته الشعرية “f m” عن مؤسسة القطان ودار الآداب اللبنانية عام 2003، والتي شكلت علامة فارقة في المشهد الشعري الغزي على مستوى كتابة قصيدة النثر. كان خالد عبدالله يؤمن ويعتز بتجربته الشعرية ويعرف قدراته الإبداعية، ويتوسم في نفسه شاعراً ذا تجربة مختلفة، وهكذا كان، ولكنه لم يواصل كتابة الشعر إلا لفترة قصيرة بعد هجرته إلى فرنسا وانقطع شعره وأخباره، إلا إذا كان يكتب بصمت مؤثراً عدم النشر.

وما زاد من قتامة المشهد وسوداويته، ما أقدمت عليه حركة حماس عام 2007 حين نفذت انقلاباً ضد السلطة الوطنية في غزة وما تبع ذلك من ممارسات قمعية وتنكيل وتعذيب وترهيب لكل من عارض خطوتها تلك؛ الغريبة عن خصوصيتنا الفلسطينية التي لطالما اعتبرت أن الدم الفلسطيني خط أحمر ومن المحرمات التي لا يجب انتهاكها تحت أية ذريعة كانت.

أنسد الأفق انسدادًا كاملاً أمام شعراء غزة ومبدعيها كافة، وتبخرت الآمال التي كانت مرجوة ولو قليلاً. ففكر كثير من الشعراء بالفرار من هذه الجحيم بكل السبل وكان أول الفارين منها الشاعر والناقد نصر جميل شعت، الذي أخذ نصيبه من المعاناة والعذاب وضيق الحال، وكان محظوظًا بأن دُعي إلى مهرجان لوديف الشعري بفرنسا، ومن هناك سافر إلى النرويج كلاجئ إنساني التي حصل على جنسيتها بعد لأي ومعاناة، وما زال مقيمًا فيها. ونصر له أكثر من كتاب في الشعر والنقد: شهوة الأسفلت صدر عن مركز أوغاريت ولأن قبعة التراب دخان، عن دار ميم للنشر بالجزائر قبل مغادرته غزة. وصدر له كتاب نقدي بعنوان “كلمة يدي ليست ملكي” عن دار الزاهرة برام الله وخلعوا الليل من الشجرة عن بيت الشعر الفلسطيني أثناء إقامته في النرويج. وله بضع مجموعات شعرية وكتب نقدية، ربما تكون طبعت أو في طريقها إلى الطباعة. هذا فضلاً عن الدراسات والمقاربات النقدية الجادة الرصينة المكتشِفة والسابرة والتي نشرها وما زال ينشرها في كبريات الدوريات والصحف والمجلات العربية الورقية والإلكترونية، مثل جهة الشعر والقدس العربي، والحياة اللندنية ومجلة نزوى العمانية، والأخبار اللبنانية، والسفير اللبنانية والأيام الفلسطينية، ومجلة الغاوون وغيرها.

 

وتبع نصر شعث، الشاعر يوسف القدرة مغادراً إلى القاهرة لإكمال دراسته ولتحقيق ذاته شعرياً. ويُعتبر يوسف القدرة من الشعراء الشباب المعدودين في غزة، الذين استطاعوا أن يبدعوا في كتابة قصيدة النثر وهو من أولئك الحاذقين في هندسة نصه “بودليرياً”، المهووسين باللغة والصور الغرائبية على طريقة “أندريه بروتون بابا السوريالية”. ولذا قلما تجد في نصوصه مساحة للتأمل، أو للرؤيا الشعرية.

 

وقد أصدر يوسف القدرة أكثر من مجموعة شعرية طُبِعت في فلسطين والقاهرة والجزائر، نذكر منها: “براءة العتمة” و”دموعها تبكي الخراب” وله مختارات شعرية مترجمة للفرنسية ونصوص مترجمة للإنجليزية.

 

بالمقابل، الشاعر باسم النبريص غادر غزة إلى إسبانيا، بدعوة من منظمة PEN ومقرها لندن، والتي تساعد الكتاب المضطهدين في البلاد العربية وغيرها من الدول غير الديمقراطية ذات الأنظمة الأمنية القمعية، على توفير الحرية لهم لكي يكتبوا ويبدعوا، في ظروف إنسانية تليق بهم كمبدعين، حسب مبادئها المعلنة، التي نشك فيها.

 

وكان باسم النبريص وراء هجرة الشاعر الناشط السياسي والثقافي الشاب أسعد صفطاوي، بسبب مواقفه المعارضة لحكام الأمر الواقع بغزة، ولإكمال دراسته في القاهرة.

 

يُذكر أن باسم النبريص قد أصدر أكثر من مجموعة شعرية وكتب أخرى طُبِعت في فلسطين والجزائر وتونس، نذكر منها: “تأملات الولد الصعلوك” و”الجلوس في عتمة البيت” و”بهجة اللامسمى” و”أيام الحرب على غزة” و”مقال في معنى الريح” و”نظم العقل الخالص”. وقد شارك في مهرجان المربد في العراق ومهرجان لوديف بفرنسا وفي فعاليات ثقافية في المكسيك وإسبانيا التي يقيم فيها.

 

وقد كان وراء هجرة الشاعر الناشط السياسي والثقافي الشاب أسعد صفطاوي المضايقات التي تعرض لها أكثر من مرة بسبب مواقفه المعارضة لحكام الأمر الواقع بغزة، ولإكمال دراسته في القاهرة. واعترف لي أنه منذ مغادرته غزة لم يكتب شعراً، وليس لديه إلا ما كتبه أثناء وجوده في غزة. وقد سعيت إلى التواصل مع الشاعر والناشط محمد الشيخ يوسف المقيم في إمارة قطر لمعرفة سبب هجرته من غزة ولكنني لم أتلق منه إجابة. ولكنني سأثبت بعض نصوصه المنشورة في الفيس بوك في المختارات الشعرية الملحقة.

 

أما الشاعرة والإعلامية فاتنة الغرة، فربما كان الدافع لهجرتها هو البحث عن هامش أكثر رحابة لإنعاش تجربتها الشعرية، التي لم تستطع التنفس بسهولة في غزة، وبالفعل فقد لمسنا تطوراً شعرياً ملحوظاً في مجموعتها “خيانات الرب – سيناريوهات متعددة” الذي كتبت معظمه في مهجرها البلجيكي، ودخلت فيه إلى مناطق ايروتيكية ودينية، في محاولة منها لإباحة المحرم وكسر التابوات. تكيفاً مع واقعها الجديد الصادم بالنسبة لها، أو ربما إرضاءً لذوق مضيفيها الجدد. بالإضافة إلى المجموعة التي ذكرنا والتي صدرت عن دار النهضة ببيروت عام 2011، كانت قد أصدرت مجموعتها “امرأة مشاغبة جداً” في القاهرة.

 

وهي مجموعة مغرقة في الذاتية، وفي شؤون وهموم وتطلعات وتشوقات امرأة تشاغب وتخالف، على استحياء، سعياً منها لانتزاع الاعتراف من الآخر – رجلاً وامرأة – بها كامرأة شاعرة وكجسد.

 

ومن الشاعرات اللاتي غادرن غزة لأسباب عائلية أو دراسية والتي لم يتسن لي الاطلاع عن كثب على تجاربهن الشعرية؛ الشاعرة “حنين جمعة” المقيمة حالياً في تونس، وهي شاعرة كنت قد استمعت لبعض نصوصها في أمسية شعرية بمدينة خانيونس، وأتابع نصوصها التي تنشرها في “الفيس بوك”. ولها مجموعة شعرية بعنوان “أقصد بيتاً آخر” أصدرها اتحاد الكتاب الفلسطينيين كما أعلمتني بذلك. والشاعرة “نور بعلوشة” المقيمة في “ماليزيا” وعند سؤالي لها عن سبب مغادرتها غزة قالت: إن السبب الرئيس هو ابنتها الصغيرة التي لا تريدها أن تعيش في غزة المضطربة ولا تريد لها أن تنام على صوت القصف المتكرر للمدينة من قبل الاحتلال، وما يقابله من رد من قبل التشكيلات المسلحة المقاومة التي تتبع الفصائل الفلسطينية.

 

ولنور تجربة مسرحية طبعتها لها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ومجموعة شعرية غير مطبوعة بعنوان “ياسمين”. وهناك شاعرة أخرى هي كرمل العباسي ولا أعلم مكان اقامتها الآن بعد خروجها من غزة، وليس لدي معلومات أو اطلاع على انتاجها الشعري. يمكنني من أن أستفيض في الحديث عنها.

 

مختارات شعرية:

(خالد عبد الله)

وأنا أمشي

 

الأشياء تطير من فوقنا كأنها غيم أو ورق

نمزق منها ما نشاء وتمزق منا ما تشاء

وأنا أمشي أريد أن أصل إلى هذا التعب

الذي يلوح على ابتعاد الطريق قبل أن تستيقظ

شياطين البدو تحت جلدي فأحارب حالاتي

وأرسمها ليلة ليلة دوريُّ يتفقد

ديدانه الأرضية النائمة. “f mمؤسسة القطان ودار الآداب 2003 ”

من قصيدة : صدف أسود

 

بوداعة متناهية أسجي الدنيا على خشب مرصوص

نصف مغمغم بأغنيات جميلة

وبعلبة الكبريت هذه أشعلها

لا صباح هنا ولا مساء والنار تكتب لغة الكائنات على ألسنتها

جاء من البحر مسالكه ماء مشى عليه

كلما انتهى المسير رمى بقطعة بين فكي كل موجة ليصل

أسقط حقيبته ملابسه قفطانه العباءة المسبحة الحذاء

وعندما لمست كف قدمه الماء ؛

ابتلعه البحر وذرف عليه صدفتين خاطتهما القدرة كأذنين له

في غفلة من ريح تستجيب للريح ككلبة.” الأيام الفلسطينية 2002، باريس”

 

( نصر جميل شعث )

 

صاعداً درج التأمل

بياض حلم بدائي في صدري

ألمس حكمة الموج

هدب التحية

الله يريق البحر في غيبي

وأنا مغمس باكتظاظ السوق

يراودني منطق الشرفة عن زحام التداعي

أمكث في لام التوحد

صاعداً درج التأمل

في مزقة تشيع نهايات المد

أكنس المفرق الكوني

بعرجون تبصري . ” شهوة الإسفلت ، أوغاريت رام الله 2005″

خلعوا الليل من الشجرة

(1)

خذوا ساعتي الرقطاء

خذوا ما أريد من الليل

فمكسب أن أرى عمري نظيفاً

مكسب أن أنام بصورة بيضاء

ومكسب أن أوثق حلمي البعيد

في برعم طائش

(2)

خلعوا الليل من الشجرة

وما بنوا في الريح

صوتاً أملس للعراة !

عمدوا نواياهم في كلمة المصير ؛

غازلوا الحياة بمرايا الحواف

وما بنوا في البيت

حكمة الليل للشجرة ” خلعوا الليل من الشجرة ، بيت الشعر الفلسطيني ، رام الله 2011 ”

 

(باسم النبريص)

صناعة

 

لشد ما يصنعني عذابي !

لا الكتبُ

لا الأسفار ما تصنعني

لا هذه الدنيا

ولا كل الصحابِ

لشد ما يصنعني عذابي !

 

إشارة

ماءان

لا وداعة الضحى

ولا هشاشة الغمامة

ماءان يغسلانني

ماءان ينفحانني إشارة القيامة

أنا المهمش الوضيء

علمت جسمي أن يشف مثل النار

وقلت للأطيار

أسكنَّ في حجرات روحي

بشر ط أن تبحن بالخبيء ! ” نظم العقل الخالص ، وزارة الثقافة غزة 2000″

 

رجل النوستالجيا

دُقوا باب غيري

لستُ أنا من يصلح لهذه المهنة

( الذهاب إلى المستقبل )

إنني رجل النوستالجيا

بيتي قبو كتب

وسنواتي حجر خلفي

اذهبوا أيها الأخوة

شكراً جزيلاً

لقد أخطأتم العنوان .

 

انتظار

 

دخنت سيجارة

إلى أن فرغ الحرذون من فريسته

وتمطى

وعاد إلي

هناك تحت شجرة التين الشابة

في حديقة المنزل

يحلو السمر عادة مع الحراذين

والأجمل من ذلك

تغيم القصائد بعد ثلاث فناجين

من النعناع

وسنة من المراوغة

ثم …

مرةً واحدة تمطر ” مقال في معنى الريح ، أوغاريت رام الله2005″

 

 

( يوسف القدرة )

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﻛﻤﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻔﺮﺓ

‏1. ‏

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺎﻵ‌ﺣﺎﺩِ ﻣﻦ ﺃﻭّﻝِ ﺍﻷ‌ﺳﺎﺑيع

ﻛﻤﻦ ﻳﻬﺮﺏُ ﻣﻦ ﻧﺠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕِ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ

ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﺗُﻨْﻌﺸُﻬﺎ ﺍﻟﻜﺆﻭﺱ

2.

.ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﻨﻬﺪِك ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﻉ ﺑﺎﻟﻀﻢِّ

ﻛﻤﻦ

ﻳﺒﺤﺚُ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔِ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺸﻴﻢ

ﻛﻲ ﻳﺸﺘﻌﻞَ ﻛﻠّﻪ

 

3.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺂﻧﺎﺀِ ﺍﻟﻠﻴﻞ

ﻭﺃﻃﺮﺍﻑ ﺿﻔﻴﺮﺗﻴﻚ

ﻛﻤﻦ ﺗﺄﺭﺟﺤﻪ ﺭﻳﺢُ ﺍﻟﺸﻚ

ﺟﻬﺔَ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦِ ﺍﻟﻤﺆﺟﺞ ﺑﺎﻟﻬﻴﻮﻟﻰ

 

4.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺄﺣﻼ‌ﻡٍ ﻣﺴخﻮﻃﺔٍ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢٍ ﻣﻤﺴﻮﺥٍ

ﻛﻤﻦ

ﻳُﺆﻟّﻒُ ﺿﺤﻜﺔً ﻭﻳﻜﺘﺒُﻬﺎ

ﺑﻤﺎﺀِ ﻧﺴﻴﺎﻥٍ ﻳﺘﻘﺎﻃﺮُ ﺗﻌﺒﺎً ﻭﺟﻮﻉ

 

5.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺎﻟﺴﺠﺎﺋﺮ

ﻣﻦ ﻫﻮﺍﺀٍ ﻣﻠﻮّﺙٍ

ﻛﻤﻦ ﻳﻨﺤﺖُ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍِ ﺃﺳﻄﻮﺭﺗﻪ

ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻟﻠﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻛﻤﺨﺒﻮﻝ

 

6.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺸﺎﺷﺔٍ ﺑﺎﺭﺩﺓٍ ﻣﻦ ﺑﺮﻭﺩﺓ ﻣﺸﻮّﺷﺔ

ﻛﻤﻦ ﻳُﺸﻌﻞُ ﺷﻤﻌﺔً

ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲِ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ. حبك

 

7.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﺎﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕِ ﺍﻟﺒﺎﻫﺘﺔ ﻣﻦ

ﻟﻤﻌﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕِ

ﻛﻤﻦ ﺃﺣﻼ‌ﻣﻪُ ﻧﻤﻴﻤﺔ

ﻳُﻜﻔّﺮُ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖِ ﺍﻟﻤُﻠﺘﺤﻲ

 

8.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﻌﺰﻟﺔٍ ﺫﻫﻨﻴّﺔٍ

ﻣﻦ ﺧﻤﻮﻝٍ ﻃﻠﻴﻖ

ﻛﻤﻦ ﻭﺟﻌﻪُ ﻣﺨﻄﻮﻁٌ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﻟﻮﻕ

ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺻﻔﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪِ ﺍﻟﻤﺬﺑﻮﺡ

 

9.

ﻻ‌ﺋﺬﺍً ﺑﻘﻠﺐٍ ﺫﺍﺋﺐٍ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﺐٍ ﻳﺘﺸﻈّﻰ

ﻛﻤﻦ ﺗﻴﻬﻪُ ﺛﻘﺐٌ ﻳﻨﻈﺮُ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪِ

ﺍﻟﻌﺎﻛﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻜﻠّﺴﻬﻢ

 

10.

ﻫﻞ

ﻗﻠﺒﻲ

ﺣﻔﺮﺓ

ﻳﻘﻊُ ﺍﻟﺘﺎﺋﻬﻮﻥ ﺑﻬﺎ؟ (من صفحته في الفيس بوك 2014

 

 

(أسعد صفطاوي)

 

*قلّب مبادئكَ كلّها، انظُر في يومِكَ لعاداتِكَ، سرّها وعلانيتها، ثمْ اعرِض حريّتكَ للبيعِ في مزادٍ علني، وانظرُ أيّ الأسرى سيحتملُ السجونَ التي في رأسِكَ..

لا تكذبْ.. هذا سجنٌ يُبنى من كلام

لا تقتل، هذا سجنٌ يُردمُ بينَ أحلام

لا تُبقِ حبيبةً مُعلّقةً.. هيَ سجنٌ مِنْ وهَنْ

لا تبتعِدْ عنْ أُمِكَ. هيَ سجنٌ من ضميرْ

“ما تغلطش، بس اعمل الصح”.. كيْ تُفرِجَ عن نفسِكَ مِنْ سجونِكَ يا حُرْ( من صفحته في الفيس بوك 2012)

 

*فتّش في صباحاتِكَ عن قلبٍ ضجِرْ.. عن وطن استترْ

فتّش تحت وسادتكَ عن وجعْ.. امضغه كعلكةٍ ثم ابصقه من نافذتكَ.. وأبصرْ

قفْ قليلًا.. لتتذكرَ رائحة خبز البيتِ والزعتر.. لتنسى آخرَ من سامحتهم ثمّ نمتَ متأخرًا..

اغسلْ خطاياكَ وافركْ قلبَك.. خلّ الهواءَ يطبّ بوجهكَ

كنْ شِعرًا في يومِكَ.. كنْ ملحمة…( من صفحته في الفيس بوك 2012)

 

( محمد الشيخ يوسف )

إذاً،

ما زال قلبكَ هشًا وطازجًا،

كطفلٍ صغير

لا يعرفُ الحب ويسقط فيه

 

إذاً،

تُحِبُ الاستماع لأغنياتٍ كلاسيكية بكلمات عادية،

ولا تكترثُ لذائقة الشاعر في الانتقاء

 

وتعود لدواوين الشعر القديمة،

تلك التي علمتك أول درجات الغزل

حين كنتَ تخبيء نزار قباني في كتاب العلوم المدرسي

 

إذاً،

تقول: أن الحبيبة هي التي تقف معكَ حين يكون الحب ضدك

وأنكَ لا تُقَلِبُ حنينكَ إلى أحد

 

وأنك طبيعي

لا تخلِطُ في الكلام بين حُلمِكَ وحزنكَ

حزنكَ الذي لم يُبقي لك منه شيئاً هذا الفرح بهذا الحب

 

( محمد العقاد )

كأي قاربٍ خجول

يبلل قدميهِ على ضفةِ نهر عارٍ

قرب قريةٍ منكوبة

على شارعٍ فرعي ناءٍ

مَنسيٌ في طريقٍ سريع

يركضُ بالمركباتِ نحو حانة المدينة

و موت جميل

كأي لافتةٍ قديمة و صغيرة

باهتة اللون تعلوها لافتة دافئة اللون

تسكنها عارضةٌ مائلة بغُنْج بشفاه قرمزية و ركبتين بيضاويتين

كأي فنانٍ تشكيلي ذائع الصيت

ينسىَ ألوانه الخشبية ، بنطاله

و نظافة أظافره ؛ يمسحُ عن وجهه العرق ؛

فيمسي جزءاً من لوحةٍ عابرة تتكرر في بلادٍ بعيدةٍ برائحة الفقر

و الحرب و أحياناً الحب كأي جارتين نمامتين

تشربان القهوة على عجل ؛ لتقرأ الفنجان

و تنسيان طعم الهيل و زخرفة الغَلاَّيَة الذهبية

كأي طفل صغير تُنسيه لعبته الجديدة

خدش مرفقه كأي عابر طريق مشغول بموعد المساء

لا أرى رتابة أحجار الرصيف

و اتجاه النقوش

أسبح على سطح الماء لا أرى شِعاب البحر

أحياناً أرى حيتاناً جائعة و زعانف قرش ! ( نص من اختيار الشاعر )

 

( فاتنة الغرة )

ما قاله الراوي

 

 

اخلعي عنك سترةَ الكبشِ،أطلقي الذّئبَ يعوي

هي الطّريقُ مخلوقةٌ للذّئابِ،أطلقيهِ واتبعي خطوَه بحذرٍ

تعثّري وانهضي وأدمي ركبتيك وكاحِليك

لا تهمّنّك الأشواكُ فالدّربُ معدٌّ خصّيصاً لامتصاصِ دمك

انفضي عنكِ كلّما ازدادَ الثقلُ غبارَ من أحببتِ

ومن نسيتِ ومن بكيتِ

لا تستقيمُ الرّحلةُ إلا بنارِ الذّاكرةِ

دعيها تخرجْ من مسامِك،من أذنيكِ،من عينيكِ،من فمِك

من ذاك المحتضنِ سرَّك البهيَّ

حصّني ذاتَك بما حفظْتِهِ من وشوشاتِ من حولكِ في غفلةٍ منهم،

واحملي في جرابِك حفنةً من دعاءِ امرأةٍ احتضنت الوجعَ قديماً

وغرستْه فيك سكّراً.

وخذي معك منديلاً رطباً لملمي فيه دمَك المتعثّرَ

الذي أعطته الطّريقُ شكلاً مغايراً

امتصّيه حينما تشتدُّ الشّمسُ فوق رأسِك

فلا يفصِلُك عنها سوى غيمةٍ بحجمِ إصبعٍ

سوف يروقُك مذاقُ الدّمِ فيه فلا تجزعي

أكملي دربَك ولا تفزعي إن نبتَتْ وريداتٌ حمرٌ كلّما خطوتِ أكثرَ

الدّمُ لا يذهبُ سُدى،الدمُ ابنُ الأرضِ

التقطي حجراً من الطّريقِ،وحذارِ أن تختاري حجراً أملسَ

فأ نتِ إذا فعلتِ فقدتِ نصفَ الغايةِ

اختاريه طافحاً بالنّتوءِ،جارحاً كصقرٍ

دعيه يمسّدْ جسدَك كلّما اقترفْتِ ذنبَ الحنينِ أو شدّتكِ الذّكرى مِن

شَعرِكِ

اجعليه رفيقَك المخلصَ فسترينَ أ رفيقَ لكِ سواه.( خيانات الرب – دار النهضة العربية ، بيروت 2011)

 

( حنين جمعة )

 

وحدك ، وحدي ،،،

وحدك ،

لا كما ترفع غيمة شارة الريح ،

وحدك ، تذكر اسمك جيدا من جهاته الخمس ، تعلن حقولك للعابرات بسلالهن ، تخاف أو لا تخاف ، لست بستانيا ماهرا ، لست شيئا آخر سوى الوحدة ..

وحدك ،

و أذكر شامة عنقك كحادثة لذيذة ، يستطيع الحنين أن يقيم هناك ، لكنك هربت …

هل كنت طيبا حقا ؟ بلا صراخ ؟ بلا غياب ؟ بلا قلب ؟

وحدي ،

 

سأكبر كثيرا ، ككل الشجر في مدينتي الزرقاء ، سأصير مقدسة و بعيدة ،

 

و سيحدث أن أشعل غابتي ذات شتاء فقط لأراك ،

 

سأمرر اسمي في غيابك ، كعاشقة عنيدة ، و سأعتذر كعاشقة عنيدة أيضا عما فعلت المسافة و عما ارتكب الجنون …

وحدي،

أقطف قلبي من لهاثه ، و لا أفتح الصناديق ،

وحدك ،،،

وحدي ،،،

و أشمُ حقولك ، و تعرف غابتي ، و ما من لغة تقولنا كما يليق …( من صفحتها في الفيس بوك 2013)

 

 

(نور بعلوشة)

 

غزة التي قطّعت أزرار قميصها وفتحت عن صدرها لتستقبل حرباً ،

لم تكن هذه المرة المرأة الشاحبة اللون التي تبيع لحمها رخيصاً وتعيد تلطيخ وجهها بالدهانات والألوان وترشق الحناء على شعرها بعد كل فضيحة.

كانت أنيقةَ ومعبئة بزفير الرجال الذين راقت لهم ; فخبئوها في سرائرهم ومضوا يشعلون ناراً حول جسدها.

لم يخف أحدهم أن تموت هذه الرشيقة من حريق قد ينشب في قدميها ، أو في شعرها المحنى

كان خوفهم واحداً , كان خوفهم قلبها .

الجميلة التي رمت زينتها في حضن أولادها،

تيقنت أن حلماً فريداً اجتاحها

تمزقت حجارة المنازل ، وطفح البحر ، الأصوات التي خلخلت قلوب أطفالها لم تكن كلها كفيلة لأن تبرد غزة أو أن يجف دمها.

كانت كل ليلة ترتق أي جرح قد يمر عن خاصرتها،

وتقومُ كي تنظف بيتها الذي من زجاج وعنبر.

غزة التي كحلت عينيها الدموع ، وزفرت في قلبها الشمس ناراً ،

كانت ترتب ودّها كل ليلة، تجدل ضفائر الشوارع، تهدئ روعَ فتياتها الخائفات، ترتجف بهدوء المؤمنين ، تخمش بأظافرها الزجاج ولا تبكِ .

جهزّت حقيبة

وضعت فيها أساورها ومفاتيحها ، الذكريات المرتجفة من حروبها السابقة ، الأوجاع والرصاصات التي مضت صوب قلبها، الجثث التي

عبثت بلحم أطفالها، بعض الحناء ، أدوات زينتها

و أعتقت حقيبتها لوجه البحر .

يا بحر

ماذا ستفعل بحقيبتها ؟ ( من صفحتها في الفيس بوك 2012)

 

 

ملاحظة: هناك من الشعراء الذين وردت أسماؤهم في المقال من عاد إلى غزة ومنهم من غادر الحياة في مهجره ومنهم من غادر الشعر ومنهم من غادره الشعر .

وهناك شعراء شباب هاجروا بعد كتابة هذا المقال.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى