مجتمع

الحضارة والضباب: خالد جهاد

الحضارة والضباب

بقلم: خالد جهاد 

تحل في ختام أيام هذا الشهر ذكرى بالغة الأهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني ألا وهي ذكرى يوم الأرض، والذي يذكرنا بقيمتها وقيمة التمسك بها والنضال لأجلها كجزءٍ منا ومن هويتنا، وبما أننا لا زلنا في شهر المرأة وكما نتغزل بالأرض دوماً كأنثى أجدها فرصةً لتقديم التحية للمرأة الفلسطينية بشكلٍ خاص تزامناً مع هذه المناسبة الوطنية والتي أخصص هذا المقال عنها، وبالطبع إلى كل امرأةٍ وانسان يكافح لنيل ما يستحقه وليعيش بكرامة رغم كل الظروف الصعبة والحروب واللجوء التي أخص بالذكر فيها كل الشعوب التي لم تحظى بالتعاطف والدعم (لإعتباراتٍ عنصرية لا مجال لتأويلها أو تجميلها) كالشعوب العربية والإفريقية والآسيوية ولنتذكر أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان..

وبطبيعة الحال سلب الإحتلال الكثير من مقومات الحياة من شعبنا وتركه تحت ظروف ٍ بالغة الصعوبة والتعقيد من الناحية الإنسانية، كأي إستعمار يسعى إلى تركيع من يواجهه ومصادرة حقه في الحرية والعيش الكريم، إلى جانب المحاولات المستمرة في طمس الهوية ومحاولة تطويع الأرض والتطور التكنولوجي لخدمتهم وهو ما تأباه حسابات الطبيعة التي لا تجاري حسابات البشر التي لا تضع الأخلاق في اعتباراتها غالباً..

ولطالما كان دور المرأة الفلسطينية ريادياً سواءاً كان ذلك على مستوىً محلي منذ فجر التاريخ، أو على مستوىً مشرقي أو عربي أو انساني انطلاقاً من مجتمعها على اختلاف خلفيتها الدينية والثقافية والإجتماعية والعرقية التي انصهرت وتلاقت في بوتقةً جامعة، هي الهوية الوطنية الفلسطينية التي قامت بصيانتها والحفاظ عليها والدفاع عنها بشراسةٍ وشجاعة استثنائيتين، مازجةً أنوثتها بصلابة الجبال ووعورة التضاريس وعنفوان البحر وشموخ قلاع هذه البلاد التي انعجنت بأجزائها وأصبحت صورةً ناطقة ومتحركة عنها تتصدر دور البطولة في حكايتها دون انتظار إذنٍ من أحد، لتعد العدة أيضاً من خلال أبنائها لإكمال الطريق الذي بدأته عبر أجدادها رغم كل الظروف، على ضوء القناديل وبعزيمةٍ لا تنكسر وأفقٍ لا حدود له وببسالةٍ عز نظيرها ولا تحتاج إلى من يقوم (بتسويقها) ليعطيها شرعيتها، فهي الأرض والرحم والنبع والماضي والحاضر والمستقبل، هي المناضلة والأسيرة منذ نعومة أظافرها التي لا ينظر لطفولتها أحد ولا يتباكى عليها، فتعلمت أن تسند نفسها بنفسها مستندةً على تاريخها الذي لا ينحني ومن كان التاريخ والحق معه لا يهتم للضباب فهو إلى زوال..

هي سند الشهيد والأسير أماً، أختاً، زوجةً أو ابنة وهي من يقف بشموخ السنديان في غيابه، ومن تراقب في الكواليس لتحرك كل الأحداث بذكاءٍ كمعادلةٍ مستحيلة الحل لا تقل كابوسيةً في عين المحتل عن كل ما هو فلسطيني، كقنبلةٍ موقوتة تهدد وجوده الهش المصطنع كبيوتٍ من القش بفعل الحياة والإرادة، فلا أصدق من مقولة (غولدا مائير) رئيسة وزراء حكومة العدو الصهيوني (أصولها من كييف في أوكرانيا وهي معلومة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام) حين قالت: لا شيء يقض مضجعي أكثر من ولادة طفل ٍ فلسطيني جديد..

هذه الأنثى الشديدة الخصوصية كالآلهة الكنعانية الفينيقية القديمة، الشبيهة بعروس البحر وجنية الحكايات استطاعت بصمودها الأسطوري وقوتها الخارقة كجزءٍ من طبيعتها أن ترهب العدو مراراً، بعقلها، بعلمها، بثقافتها ونضالها وانجابها لأمة تسبح من رحمها إلى شواطئ الحياة لتحقيق الحياة وانتزاع حقها فيها وهي من تلاقت في روحها كل نساء الأرض فلم تعد تخشى من أهلها أحدا، على رأسها تاج الحضارة وفي يدها صولجان المعرفة الذي تحرس به نار الوطن المقدسة، ومن تملك الحضارة والمعرفة لن يوقف حريتها بعض الضباب في رحلة التاريخ..

تحية وتقدير في يوم الأرض إلى المرأة الفلسطينية وإلى كل النساء اللواتي تحملن الكثير في السنوات الأخيرة سواءاً كان ذلك من خلال ظروف اللجوء أو الحرب أو الوضع المعيشي الصعب في بلادنا جميعاً، وتحية إلى كل رجل يكافح من أجل عائلته ولكل انسان لا زال يقوم بدوره بكل إخلاص وعلى أكمل وجه.. أنتم أجمل ما في الحياة..

زر الذهاب إلى الأعلى