دور الدراما في دعم القضية الفلسطينية: بين الإسهام الضعيف وضرورة تجسيد ممارسات الاحتلال

دور الدراما في دعم القضية الفلسطينية: بين الإسهام الضعيف وضرورة التسليط على ممارسات الاحتلال
– المساهمات الدرامية في دعم القضية الفلسطينية قليلة
بقلم: نائل يوسف الشبراوي
بدايةً لو أمعنَّا النظر في العنوان جيداً، يمكننا القول إننا نجد أنفسنا أمام عنوانٍ حاسم يحمل في طياته الكثير من الإجابات التي تتناول في مجملها دور الدراما في دعم القضية الفلسطينية، فتدور عدة تساؤلات في عقولنا: هل ساهمت الدراما في دعم القضية الفلسطينية بصورة واضحة وجلية بشكل يخدم القضية الفلسطينية؟ أم كان تسليط الضوء عليها من زواية بعيدة كل البعد وسطحية بشكل لا يخدم قضيتنا بعمقها الجوهري؟ ربما هذه التساؤلات قام بالإجابة عنها دكتور الأدب المسرحي توفيق موسى اللوح الذي ناقش تلك القضية، حيث نادى فيها بضرورة قيام المسرح بتسليط الضوء على القضية الفلسطينية من خلال كشف ممارسات الاحتلال القمعية والهمجية التي يمارسها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وسعيه طمس الهوية الفلسطينية بأي وسيلة كانت، كما بين أن مساهمات الدراما في دعم القضية الفلسطينية ضعيفة جداً، متأملًا بأن يتحسن ذلك الدور عقب ثورات الربيع العربي.
كما طالب الدكتور توفيق اللوح بضرورة الاهتمام بالمسرح الفلسطيني ودعمه بكافة الإمكانيات، من خلال إعداد متخصصين في المسرح؛ لإعطائه بصمة واضحة، كما وطالب بضرورة الاهتمام بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج من أجل الاطلاع على التجارب المسرحية العالمية والدعوة إلى الاستفادة من هذا التيار الأدبي الجديد، والمساهمة في نقله إلى البيئة العربية عامة والفلسطينية خاصة، وأنا أيضاً أوافقه في ذلك بأنه لا بد من تكريس كافة جهودنا في دعم ومساندة المسرح الفلسطيني من خلال إعداد متخصصين أصحاب كفاءة عالية في هذا المجال، والاهتمام بالبعثاث العلمية إلى الخارج من أجل الاستفادة من التجارب الغربية، وتوجيه المسرح نحو وجهته الصحيحة بما يخدم قضايانا، علينا أن نوجد مسرحاً يعكس كل ما يدور في الساحة الفلسطينية على خشبة المسرح، وبالأخص تسليط الضوء على المحتل وما يمارسه بحق أبناء الشعب الفلسطيني، بمعنى آخر: لا بد أن نوظف الدراما من أجل خدمة القضية الفلسطينية دون الاكتفاء بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية فقط، فلا يجب أن نصرف نظرنا عن المحتل وممارسته الوحشية بحقنا، والأنظمة العربية المتخاذلة وخيانتها، فلا بدَّ أن يكون ذلك حاضرًا وبقوة في المسرح الفلسطيني، فهذا هو الجوهر الفلسطيني، قضيتنا قضية وطنية لا اجتماعية بالدرجة الأولى.
كما تعرض اللوح إلى ما يتعرض إليه الكاتب المسرحي من مضايقات وملاحقات تتمثل بفرض العديد من القيود والرقابة عليه، ما يجعله حريصاً على عدم إبراز صورة المحتل على خشبة المسرح؛ لأن ذلك يعتبر بمثابة تحريض للشعب من قبل الكاتب المسرحي على المحتل والمطالبة بتغيير واقعه المؤلم إلى واقع وغد أفضل، وهذا ما يشكل خطراً على أصحاب المناصب العليا في البلدان العربية نظراً لمساسها بمقاعدهم التي يأبون أن يتزحزحوا عنها ولو كان ذلك على حساب حقوق شعوبهم، تلك القيود يتم فرضها على الكاتب المسرحي مما يجعله يصرف نظره عن المحتل وما يمارسه بحق الفلسطينيين، ويجعله يركز على تسليط الضوء على أمور الحياة اليومية والمطالبة بتوفير المأكل والمشرب وما إلى ذلك، وهذا ما نرفضه تماماً، فنحن لسنا كثورة الزنوج، نحن شعب يطالب بحقوقه التي سلبت منه بفعل غاصب محتل؛ نسعى لطرده من أرضنا التي سلبها منَّا، لننال حريتنا، فثورتنا لم تكن من أجل طعام وشراب بل نحن مترفعين عن ذلك كله.
نجد أن الكاتب المسرحي أصبح يلجأ إلى الرمزيات أثناء إبراز المحتل في مسرحياته؛ هرباً من المساءلة من قبل الحاكم أو السلطة، بمعنى آخر الابتعاد عن الخطابية المباشرة التي ربما تعرضه للمساءلة القانونية، فلم نجد موقفًا مسرحيًا تناول القضية الفلسطينية بشكل أكثر جدية وأكثر حقيقة، ولربما كانت جميعها حبر على ورق لا تُجدي نفعاً.
كما تحدث الدكتور توفيق عن مكانة القدس في المسرح العربي، حيث كان هناك محاولات سعت إلى إبراز مكانة القدس لكنها لم تنجح في ذلك، وقد استدل على قوله بذكر العديد من المسرحيات التي حاولت أن تبرز القدس بما يتناسب مع علو مكانتها وقدسيتها، لكننا وجدنا خلاف ذلك، حيث كانت جميعها موضوعات بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي الراهن الذي تعيشه المدينة.
في المقابل ذكر اللوح العديد من المسرحيات التي كان لها دور بارز في خدمة القضية الفلسطينية ومساندتها، منها: “وطني عكا” لعبد الرحمن الشرقاوي، و”النار والزيتون”و”ثورة الحجارة” لألفريد فرج، ومسرحية “القتل في جنين” لمحمد أبو العلا السلاموني و”اليهودي التائه” ليسرى.
كما ونلاحظ المقارنة التي أجراها بين المسرح الفلسطيني والعبري، فبيَّن أن المسرح الفلسطيني لم يلقَ دعمًا ومساندةً على الصعيد المادي والمعنوي بل تعرض للمحاربة والسعي إلى القضاء عليه من قبل بريطانيا، في حين عملت بريطانيا على تقديم كثير من الدعم والمساندة للمسرح العبري، علماً بأن المسرح العبري كان تمهيداً لقيام الدولة اليهودية.
كما وتحدث عن طبيعة لغة المسرحية قبل النكبة حيث كانت بالفصحى يتحدث بها أصحاب الطبقة العليا فهي تليق بهم، أما بعد هزيمة حزيران أصبحت لغة المسرحية عامية يتحدث بها العامة من الناس “العاديين”.
لاحظتُ بأن الدكتور توفيق اللوح لم يطل حديثه عن وظيفة المسرح على صعيد القضية الفلسطينية، فيا حبذا لو أطال الحديث عن ذلك بأن ينوه بأن المسرح ليس مجرد وسيلة للمتعة والتسلية والترفيه، بل هو أداة من أدوات المعركة التي تسعى إلى الثورة على الظلم والفساد والقهر الذي يقع على كاهل الإنسان، كما أن المسرح لا بد أن يكون توعوياً أي ينبه الإنسان بقضاياه وهمومه، حيث يتم طرح تلك القضايا على خشبة المسرح لا ليراها المشاهد فقط بل ليسعى إلى تغيير هذا الواقع إلى واقع أفضل مما هو عليه، وهذا ما ذكرني بالكاتب المسرحي بريخت، الذي رفض أن يكون المسرح مجرد وسيلة للتسلية والترفيه، وإنما سعى ليجعل المسرح أداة من أدوات تغيير الواقع المؤلم إلى واقع أفضل، وجعل المشاهد يقوم بنفسه بهذا التغيير من خلال توعيته، فلذلك لا بد للمسرح الفلسطيني أن يقوم بطرح القضايا الواقعية المؤلمة في ظل وجود المحتل وإبرازها بشكل واضح دون تردد أو قلق، وأن يعمل كاتب ذلك المسرح على إبراز كل ما يمس القضية الفلسطينية بدءًا من النكبة وحتى يومنا هذا، وجعل المسرح وسيلة للثورة تسعى إلى القضاء على الظلم في ظل وجود المحتل الغاصب.
وختاماً طالب اللوح بضرورة قيام المسرحية والرواية بالتطرق إلى القضية الفلسطينية ومعالجتها بأسلوب مباشر وحقيقي بعيداً عن الإسقاطات التي كان لا يفهمها إلا الفئة المثقفة من الجمهور، وأن يكون هدف المسرحية ومضمونها مفهوماً للمجتمع بفئاته كافة “الإنسان العادي والبسيط والمثقف”.