رئيس التحرير يدون: الشِّعر والدين.. حكم أخلاقي وتقديس الوهم في المجتمع

الشِّعرُ والدين.. حكم أخلاقي وتقديس الوهم في المجتمع
بقلم: جواد العقاد/ رئيس التحرير
قبل فترة وصلني سؤال عجيب، لم أجب عنه لحظتها.. فحواه “كيف تكتب شعراً غزلياً صريحاً وأنت مسلمٌ؟”.
الحق أن السؤال يبدو ساذجاً لكنه تساؤل طبيعي في مجتمع نشأ على العيب والحرام، ولديه استعداد لتقديس أي شيء، حتى الوهم. ويهاجم دائماً العقل والجمال؛ لما لهما من تأثير عظيم في بناء الإنسان وتحقيق كيانه، وبالتالي يشكلُ خطراً على السلطة الاجتماعية بكل أشكالها.
ومن جانب آخر إنه تساؤل نقدي قديم قدم النقد ذاته، أقصد “الحكم الأخلاقي على الفن”. أنا شخصياً لا أقبل حكماً أخلاقياً أو دينياً على أي نص فني، شرط أن يكون فنياً بحق. الفنُ للفن والدين لله. والإسلام -الذي أعرفه- أكبر من أن يُحاكم نصوصاً إبداعية، وينصب قضاة على حرية الفرد وممارساته الجمالية.
أزعم أني لا أكتب غزلاً صريحاً، وإن كان الأمر كذلك فلا ضير. أكتبُ رؤيتي وإيقاعي، ومن ضمن هواجس كثيرة تتضمنها نصوصي هاجس الأنثى والعلاقة معها بكل أبعادها.. الأنثى في رؤيتي كائنٌ علوي ومعادل موضوعي للجمال والتصوف، والتماهي مع الكون وحالاته الملتبسة. ولا أعتقد أني كتبتُ نصاً غزلياً خالصاً دون المزج ما بين الأنوثة ومفردات أخرى في هذا العالم. وبالطبع لا أبرر ولا أحتاج لذلك، فقط أصغي لذاتي أمام هذا السؤال الذي يُعبر عن مزاج جمعي قديم جديد تجاه الشِّعر.
ومن المثير للسخرية أن تخرج دراسات تتناول “الكفريات” في شعر فلان، بل أقصى درجات الجهل بالشِّعرِ وعالمه، فالشِّعر عالم مختلف كلياً عن الواقع، فهو أقرب إلى الحلم، ولا نبالغ إن قلنا هو حلم يتوسل اللغة.. فيخرج من منطقة بين الوعي واللاوعي، بمعنى أن القصيدة التي يتدخل فيها الوعي لحظة الكتابة تفقد شيئاً كثيراً من هذه الحساسية. بكلام أكثر وضوحاً: القصيدة التي يتدخل فيها الرقيب لحظة الكتابة، ويضع شاعرها اعتبارات خارجة عن ذاته، ستكون مشوهة حتماً.
لا أريد مناقشة نصوص الدين التي تحدثت عن الشِّعر، فالكلام فيها كثيرٌ. فيما أعتقد أن الدين لم يكن معادياً تماماً للشِّعرِ إنما طوعه لأهداف الدعوة، والحد من الفخر القبلي الذي كان له أثر جلي آنذاك، أي أن موقف “الإسلام” من الشِّعر ارتبط بالتحول الاجتماعي من ولاء القبيلة إلى الولاء للدين الجديد. أما في عصرنا هذا فالشعر نفسه تغير، وهموم الشاعر ورؤيته للعالم تحولت جذرياً، إذ ليس هناك ما يبرر إقحام أسئلة الدين في الشعر.