مجتمع

رحلة البحث عن الحرية

رحلة البحث عن الحرية

خالد جهاد/ كاتب فلسطيني

لطالما شدتنا في طفولتنا فكرة الحظ واللعب والمنافسة والربح والخسارة، ووجدنا في حكايات سندباد وعلاء الدين وقصص ألف ليلة وليلة ملاذاً يشبع خيالنا كمن يتلصص من ثقب الباب على عالمِ آخر.. مجهولٍ وبعيد يروي ظمأنا لما لا تطاله أحلامنا وأيدينا ويبدو كغرفةٍ مغلقةٍ يكتنفها الغموض ونخاف من الإقتراب منها..كأنها التفاحة المحرمة التي تحمل سر الخلود ولا يظفر بها إلا محظوظ.

كنا نلعب الورق والنرد، وكان يحلو للبعض أن يغش أثناء اللعب رغبة ً منه في الفوز أو استجلابه بشكل أو بآخر ليثبت وجوده وجدارته، وحملت حياة أغلبنا فصولاً كثيرة قد لا نستطيع قراءتها بصوتٍ عالٍ، لكنها دوماً كانت السبب في كل تغيراتنا، اخفاقاتنا، ودافعنا الأكبر للبحث، للتفكير، للرفض، للتمرد أو حتى الخضوع وغالباً للهرب من أنفسنا لنثبت لها رغم إنكارنا أننا لسنا عاجزين، لسنا مقيدين..لكن هل نحن أحرار؟

وبين الحين والآخر يمر شريط الذكريات أمامنا مسرعاً كالقطار، يحمل عبر دخانه ريح الماضي وموسيقى خطانا في الشوارع، ونظراتنا إلى الآخرين ووقوفنا أمام زجاج المعارض نحلم بظلٍ وحلمٍ وحبٍ وفرحٍ، وتوقظنا دمعةٌ تغافلنا في الزحام لتسقي خداً جف في ليالي الوحدة بعد تناثر الأحبة في هذا العالم الغريب، نذكر الوجوه واحداً تلو الآخر ونذكر كل كلماتنا التي قلناها في صبانا، ونتذكر رغباتنا وطيشنا وتحدياتنا وقراراتنا التي اتخذناها معتقدين أنها قربانٌ على مذبح الحرية.

الحرية، تلك الكلمة التي أفرغت من معناها وأصبحت توجد في كل مكان مثل إعلانات مساحيق الغسيل وزيوت الطبخ، ومثل (المفكرين) الذين لا نعرف فيما يفكرون، ولا ندري هل يصدقون ما يرغبون أن نصدقه من أفكارهم؟

هذه الكلمة التي عاش جيلنا والأجيال التي سبقتنا وتلتنا على أنغامها وكلٌ لأهدافه وأسبابه وتفسيره لمعناها، فهناك من يقرنها بغريزته وجسده،وهناك من يقرنها بالتعبير عن آرائه وقناعاته، وهناك من يقرنها بالتحرر من سلطة الأقارب والمجتمع، وهناك من يراها مخرجاً من اخفاقاته، وهناك من يربطها بالقدرة على الاختيار، وهناك من يعتقد أنها تعني الإساءة إلى الآخرين تحت مسمى النقد، تعددت الأسباب والاسم واحد، الحرية.

وكبشر لا تظهر حقيقتنا في العلن، بل في لحظات البوح مع شخصٍ ما، خلف بابٍ مغلق، عندما تتوفر اللحظة التي يستطيع فيها أحدنا أن يتجرد من أقنعته ويصارح نفسه ويقول الأمور كما هي، أن يحكي دون حذف أجزاء من نصه أو خوفٍ من ردة فعل، وأن يقول إن فكرته كانت خاطئة، وأن أغلبنا رغم اختلافاتنا كنا نقرن الحرية بممارسة شيءٍ ما، في مكانٍ ما،مع شخص ما، لا نرى بدونه أنفسنا أحراراً، بينما الحرية الحقيقية لا ترتبط ببشرٍ أو بلدٍ وإن بدت للأغلبية عكس ذلك، فالحرية لا تنبع من خارجنا، بل تبدأ من تفكيرنا، من إرادتنا، من رغبتنا، من قناعاتنا بأن الحرية لا تنبع من الجسد بل تنبع من الفكر والروح، من إيماننا بأننا قد نكون أحراراً في مكاننا مهما حاول الآخرون قمعنا في أبسط تفاصيل حياتنا، وكثيرٌ ممن رحلوا إلى الغرب لم يستطيعوا أن يكونوا أحراراً لأن نفوسهم مازالت سجينة ماضيهم ومخاوفهم وفكرتهم فكانت الهجرة شكليةً بالجسد بينما الأغلال تكبل المشاعر، وظلت رهينةً لفكرة أنها في مكان لا تستحقه لإيمانها بأنها أقل منه، فلم تستطع أن ترى أيضاً الإزدواجية والتغافل عن مبادىء بديهية وإنسانية هناك لمجرد دورانها في دائرةٍ مغلقة ترى المميزات في الآخر والعيب في نفسها، بعد أن جاءت من بيئةٍ كانت ترى العيب في الآخر وفي نفسها.

فلا يجب علينا انتظار انسان أو فرصةٍ قد تأتي وقد لا تأتي، ولا ينبغي أن نعلق آمالنا بهجرةٍ حالمة تحل مشاكلنا، ولا يجب أن نربط سعادتنا أو راحتنا برضا الغير طالما كانت مبادئنا أصيلة وقناعاتنا راسخة لا تهزها الريح، فالناس غالباً تحكمهم أهوائهم ومصالحهم ويتبدلون بتبدلها، ولا يمكن لأحدنا الإستناد إلى مائلٍ متلون أو انتظار حرية يمنحنا إياها، فحريتنا تبدأ من داخلنا ومن إيماننا بما نستحقه وسعينا لتحقيقه، وعندها فعلاً يمكننا أن نقول إننا وجدنا ذاتنا التي طال السفر إليها بحثاً عن الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى