مجتمع

رحلة الضحك من الوباء إلى العلاج

رحلة الضحك من الوباء إلى العلاج

سهيلة هاني ـ خاص اليمامة الجديدة

لطالما كان الضحك هو الوسيلة الأولى للتعبير عن الشعور بالفرح أو السعادة، ولكن هل يمكن أن يكون علامة تدل على مرض معين؟، أو تكون المشاعر المتسببة به الغضب أو الحزن؟، أو هل يمكن أن يكون له علاقة بالهوس؟، سنتعرف على كل ذلك في هذا المقال.

حدث أشهر مثال عن ”وباء الضحك“ في (تانغانيكا) —(تانزانيا) حالياً— في سنة 1962، غير أننا نؤكد لك عزيزي القارئ أن هذا النوع من السلوكيات النفسية يحدث بمعدل أسبوعي حول العالم، بشكل أخص بين السكان الذين يعيشون حالات من التوتر المزمن.
وأيضاً وقعت حادثة مؤخراً من هذا النوع نجده في حالات إغماء ودوار لم يتم تفسيرها وقعت بين طلبة في مدرسة في (لانكاشاير) في إنجلترا في شهر نوفمبر من سنة 2015، كما توجد هناك الكثير من الأدلة على أحداث من هذا النوع في أماكن تتصف بعدم الاستقرار، مثل كوسوفو وأفغانستان وجنوب إفريقيا.

بداية وباء الضحك:
بدأ وباء الضحك في تانزانيا سنة 1962 في إحدى مدارس البنات ثم انتشر إلى المجتمع الخارجي، وقد أصاب هذا الضحك الخارج عن السيطرة حوالي 1000 شخص ودام لعدة أشهر، وتسبب في إغلاق مؤقت لـ 14 مدرسة.
تبدأ معظم حالات الأوبئة الجماعية نفسية المنشأ مع حالة فردية واحدة، وفي هذه الحالة بدأت مع تلميذة واحدة وجدت نفسها بين براثن الضحك الخارج عن السيطرة الذي سببته لها حالة قلق دائم كانت تعيشها، وهو الأمر الذي انتشر بشكل تسلسلي، حتى أصبحت الفتيات المحيطات بها محتجزات داخل قوقعة من الضحك القهري، وببطء؛ انتشرت هذه الآفة خارج أسوار المدرسة لتطال المنطقة المحيطة، ثم سكان المنطقة بأكملها.
تضمنت أعراض كل من عانى من هذه الحالة النفسية نوبات ضحك قهري وبكاء كانت تدوم من عدة ساعات إلى 16 يوماً متواصلة، صاحبت هذه النوبات حالات نشاط مفرط، وركض قهري في مختلف الاتجاهات، وبعض نوبات العنف كذلك، لكن لم يكن هناك دليل على وجود مسببات عضوية لهذا الوباء.
يصف (كريستيان هيمبلمان) في جامعة A&M في تكساس، الذي كان قد بحث في هذه الحادثة، وباء الضحك هذا على أنه حالة من الأمراض النفسية المنشأ أو الاجتماعية المنشأ، وهو مرض له القدرة على أن يضرب حسب حالة الضغط والتوتر التي يعيشها كل من هو عرضة له.
قد يكون من بين عوامل التوتر التي سادت بين فتيات المدارس في (تانغانيكا) هو ما يتم فرضه عليهن في المدارس الإنجليزية التي كُنَّ يدرسن بها، وكذا حالة عدم اليقين والاستقرار التي خلقها استقلال البلد الذي سبق تفشي الظاهرة بشهر واحد.
يقول (هيمبلمان): ”من جهة بدأ الأمر جيداً أكثر ليكون حقيقياً، ومن جهة أخرى كان الناس يقتبسونه ويستدلون به لدعم كل أمر آخر، وحتى الأمور المتناقضة“، ويضيف: ”لذا فكرت أنه يجدر بي إعادة النظر في هذه الظاهرة والرؤية بنفسي، هل حدث هذا الأمر حقاً؟ وما عساه يخبرنا حول حس الفكاهة“.
يقول (هيمبلمان) أنه بينما تعتبر الأمراض النفسية المنشأ شائعة الحدوث، فإنه لا يُشار إليها غالباً تحت هذا الاسم، في قوله: ”إذا كنت تشير إلى شخص يعاني من هذا [مرض نفسي المنشأ]، فأنت بطريقة ما مازلت تنعته بالهستيري“، ويضيف: ”فأنت تخاطبه قائلاً: أنت لا تعاني من مرض حقيقي، أنت لا تعاني من أية مشكلة، أنت فقط تتصرف بجنون لأن هذا قد يخرجك من الأزمة التي تعاني منها“، ويضيف (هيمبلمان) شارحاً أن وصمة العار التي ترافق هذا المرض مازالت موجودة.
ولكن من جهة أخري ومع التطورات الأخيرة في عالم الطب والعلاج ظهر ما يُسمى بـ “الجيتولوجيا“، حسّ الفكاهة، والمعالجة بالضحك؛ بعدما كان الضحك وسيلة للتعبير عن السعادة، والكثير منه دليل على مرض نفسي أصبح الآن يُستخدم كعلاج!!

لطالما ارتبط الضحك بخفض مستويات هرمونات التوتر ورفع مستويات الأندورفين في الجسم، مما يمنح راحة نفسية وجسدية للإنسان، وبالنسبة لهذه الفكرة الأخيرة، يقول (هيمبلمان) أنها تمثل نظرية (فرويد) الكلاسيكية عن حسّ الفكاهة، حيث ”تتراكم داخلنا الضغوطات النفسية التي يمكّننا الضحك من إطلاقها وتفريغها، عبر أي مخرج مجازي نراه مناسباً“، كما أنه لا يعتقد بأن هذه النظرية جيدة فيما يتعلق بدور الضحك وطريقة عمل حسّ الفكاهة، يقول (هيمبلمان): ”في هذه الحالة، لا يقوم الضحك هنا بتفريغ أي شيء. هؤلاء الناس يعانون، وهم يعبرون عن معاناتهم بذلك“، ويضيف: ”لم يتحسن شيء بالنسبة لهم لأنهم ضحكوا ببساطة“.
ختاماً عزيزي القارئ؛ أتمنى أن تكون فهمنا من هذا المقال أن ليس كل من يضحك سعيد، وأن الضحك ليس مجرد سلوك عابر يحدث بشكل تلقائي أو من خلال موقف معين؛ فربما تكون ضحكات البعض هي وسيلتهم للتعبير عن معاناتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى