ملفات اليمامة

رسائل بتول ومريم: حوار إبداعي على ورق الأيام

عن العالم، والشعر، وأشياءَ أخرى، هكذا تتفتح إلينا نوافذُ بتول أبو عقلين، ومريم الخطيب؛ لتحملَّنا رسائلَ رشيقةً، تملأها الأسئلةُ، والتخوفاتُ، والخيالات، تداعبُ الإنسانَ فينا، حين يحاولُ البحثَ عن نفسِه في كلِّ العناصرِ المحيطةِ به، لكنّه أخيراً يجدُها في أبسطِ الأشياءِ الموجودةِ بين يديه، في الشعرِ، أو في قطعةِ كرواسون، أو في رسالةٍ تعكفُ بتولُ على إرسالها لمريم، فتشعلُ فينا الحياة، رسائلُ تركضُ على شفتيك ببعدها الإنسانيِّ والفكريِّ والفلسفيِّ ركضةَ غزالةٍ في البريّة، وتزرعُ في فمِكَ الكثيرَ من الدهشة؛ لتقولَ بعدها: الله

نبدأ معكم سلسة رسائل “عن العالم، والشعر، وأشياء أخرى” للكاتبتين: مريم الخطيب، وبتول أبو عقلين

حيدر الغزالي- محرر ثقافي في الصحيفة.

رسائل بتول أبو عقلين ومريم الخطيب:

إلى مريم الخطيب،

الأيام تسرقنا منا، يا مريم. تركض كالبرق، ولأني أريد أن أستشعر معنى الوقت، سأسرق من الأيام فتاتٍ وأكتب لك كما كتب محمود درويش لسميح القاسم. بالحقِّ، أنا لا أعرف عمَّا سنتحدث في رسائلنا هذه، لكني أعرف شيئًا واحدًا، أن الحديث عن الشعر والأدب والحياة والحب والجنون هو حديثٌ لا ينتهي، لذا سيطول حديثنا.

تخنقني الوحدة. هنا، الناس لا تفهم معنى الشعر. لا أقصد القصيدة، أقصد الحياة. كل يوم، أجد نفسي مجبرة على التعامل مع مجتمع يرتل كل يوم: “تقبلي الاختلاف، تأقلمي!” يريدون مني أن أتقبل العقول العرجاء، يا مريم! يريدون مني أن أتقبل مدرس الأدب الإنجليزي الذي يقرأ القصائد كما يقرأ خبرًا من شريط الأخبار على قناة الجزيرة. أنا أتقبل الاختلاف، لكني هنا أبدو وحيدة للغاية. هم متشابهون بشكلٍ ما، ولكني تمنيت أن تكون الأمور بمثل تلك البساطة.

بالمناسبة، شكسبير ليس بذلك السوء، أظن أني أحببته. وإرنست همنغواي في الإنجليزية يبدو مختلفًا للغاية. والشعلة التي تضيء في عقلي بعد كلمة واحدة لا زالت تحمل نفس الدهشة، لكنها دهشة خالية من الشعر والكتابة. أشتاق لأن أكتب. أخبري روح الشعر القبيحة خاصتي أن تأتي، لأني بدأت أشك في حقيقتي. هل يمكن للأرواح أن تتلبسنا لفترة وجيزة ثم ترحل؟ لكنه ليس الوقت المناسب. قديمًا كان الشعراء يعتقدون أن شعرهم أحرف نارية يلقون بها الجن على ألسنتهم، وأنهم إنما يتناولون من الغيب، فهم فوق أن يُعَدُّوا من الناس ودون أن يحسبوا من الجن. ما اسم شياطيننا يا مريم؟ أليس لأننا لم نسمِّها هكذا، رحلت ولم تعد مرةً أخرى؟ شيطان أخرق!

كيف حال شيطانك؟ هل يزورك كثيرًا؟ أخبريني بماذا ستسمِّينه، سأسمي خاصتي “أوركيد”.

بتول أبو عقلين (غزة-فلسطين 17/آذار/2023)

رسالة مريم:

عن العالم والشعر وأشياء أخرى، إنها لعنوان مناسب لما نكتبه بعبثية رسائلنا هذه. إلى الأوركيد شيطان بتول، احضري فتعوذيتك تعويذة شعرية يصقلها همنغواي ويختمها درويش. إلى صديقتي التي تضل بها أصوات الحياة والشعر، بتول أبو عقلين. الحياة تسرقني يا بتول، تخذلني كل يوم. الضجيج أصبح يُلازمني وسخطي على الوجود يحجز طاقتي، عيناي تفضحني، والبحر يكبُ أسراري على الشاطئ. سأحدثكِ عن اللاشيء بكل شيء، سائق السيارة، الراكب الأخير، كيف تلوثت القصيدة، ولا أقصد القصيدة، أقصد الشعر، الحياة، والحلم. سأحدثكِ كيف يعمل خيالي في محاضرة الأناتومي (التشريح)، لا تخيل الأمعاء الغليظة، لأنه لا يوجد كهرباء، وكيف علي كل يوم أتحمل صندوقًا مُغلقًا من الرجعية والنقص مع دكتورة العلم… وعلى نطاق أوسع الجامعة. أحدثكِ عن كيفية النظر إلى عالمي الأدبي، كيف يُسقط كلام الجميع علي كالرصاص. المهم ما يؤثر على دراستك (هذا كله هبل، المهم العلم). أواجه القبح في قلمي، أشعر أن صديقي في هذه الأيام درويش حين كتب لا شيء يعجبني، هو سبقني في الكتابة فكتب عني، أعتقد كان يسمع لنفس حديث سائق الباص الذي أسمعه كل يوم. ماذا أُريد من الحياة؟ أريد أن أحيا قليلاً ليس لشيء ما، بل لاحترم القيامة بعد هذا الموت. هل سأنسى كأني لم أكن؟ تعالي لنتكلم عن الربيع يا بتول. أعتقد أن الأرض راقصة جيدة، تمايلت على الشمس قليلاً، اقتربت الشمس منا أكثر. حرقت سنبلتي الأخيرة قبل نضوجها. مارس الذي تنهض به الأرض، يضل بي الآن. يعلن ولادة خضراء للأرض ويحرقني. أجهضني الربيع قبل صرخة ميلادي الأولى. لن أحتفل بالربيع هذه المرة ولن أكتب موضوع تعبير كطالبة في الصف الرابع. شيطاني معذب يذهب ويأتي أحيانًا، ولربما تركته على شاهد قبر ونام. حين أموت لا تدفني في الربيع وأخبري أمعائي الغليظة إنني تخيلتها بطريقة جميلة، لربما في الاختبار سأكتب عنها، إنها سماء صافية تحمل أرواح مكدسة. لربما الدكتور يرسبني لأنني أهذي. لا أحد يعلم سوانا يا صديقتي وشيطاني النائم. سأترك شيطاني بلا اسم.

مريم محمد الخطيب، الثامن عشر من آذار، الثامن عشر من خريفي.

زر الذهاب إلى الأعلى