
رسالة من المنفى.. القصيدة لم تنتهي بإجابة الشاعر عن سؤاله
قراءة في قصيدة (رسالة من المنفى) للشاعر محمود درويش
بقلم: نائل يوسف الشبراوي/ فلسطين
بدايةً لو نظرنا إلى عنوان القصيدة نجده يحمل في طياته معانٍ واضحة عند السامع والقارئ، ألا وهي: مرارة اللجوء، والبعد عن الأهل والأحبة والرفاق، وغيرها الكثير. فالشاعر في مكان بعيد عن أهله ووطنه، يكتب إليهم رسالة وهو في المنفى ليطلب منهم أن يطمئنوه عنهم وعن أحوالهم، وهذا ما ستلاحظه عزيز القارئ في السطور القادمة.
نرى الشاعر في بداية القصيدة قام بتوظيف عنصر الرمزية، فنجده يبتعد عن الخطابية المباشرة، وهذا الفن أضفى على القصيدة جمالاً فنياً واضحاً، حيث قصد الشاعر ب”الليل” الاحتلال الإسرائيلي، مع إكساب تلك الشخصية صفات سلبية يتصف بها، تلك الصفات جاءت متعددة في القصيدة، مثل: “ذئبٌ جائعٌ سفاح”، وقصد الشاعر ب”الغريب” أبناء الشعب الفلسطيني الذين لا زالوا مطاردين من قبل المحتل في كل مكان، وقصد ب”الأشباح” اليهود المهاجرين القادمين من كل مكان إلى فلسطين، محملين بالنار والحديد، وهذا كله جاء في قوله:
الليل يا أماه _ ذئب جائع سفاح
يطارد الغريب أينما مضى..
ويفتح الآفاق للأشباح
وغابة الصفصاف لم تزل تعانق الرياح.
ثم يسأل الشاعر أمه قائلاً: “ماذا فعلنا حتى نموت مرتين، مرة في الحياة، ومرة عند الموت؟”، وهذا السؤال ينم عن شدة معاناته وألمه في المنفى، فهو يموت كل يوم وكل دقيقة، تلك الغربة فعلت فيه فعلتها، وهذه المعاناة ليست مقصورة على الشاعر وحده، بل على أبناء الشعب الفلسطيني كافة، فالشاعر جزء لا يتجزأ منهم، فعندما يكتب عن نفسه يكتب عن أبناء شعبه كافة، فيعبر عن مشاعرهم وأحاسيسهم ومعاناتهم التي يعيشونها، وهذا ما جاء في قوله:
ماذا جنينا نحن يا أماه؟
حتى نموت مرتين
فمرة من الحياة
ومرة عند الموت!
ثم يسأل الشاعر سؤالًا ألا وهو: “هل ذكر المساء غريباً مات بلا كفن؟” ، وهذا السؤال يحمل في حد ذاته معنى عميقاً وواضحاً، وهو موت الإنسان الفلسطيني بعيدًا عن وطنه، فهو يفارق الحياة بلا كفن، وبلا أهل، وبلا رفاق، وبلا وطن، وفي هذا دلالة واضحة على ألم وقسوة المنفى، فحتى البهائم تأبى تلك القسوة والغربة، وهذا ما جاء في قوله:
هل ذكر المساء
مهاجراً مات بلا كفنٍ ؟
يا غابة الصفصاف هل ستذكرين
أن الذي رموه تحت ظلك الحزين
كأى شيء ميت – إنسان؟
ثم ينتقل الشاعر لسؤال أمه -مرة أخرى- عن ساعي البريد الذي أرسلت معه رسالة تطمئنه بها على نفسها، وإخوته، ووالده، لكن الطرق أغلقت براً وبحراً وجواً، فالشاعر تقطعت به كافة السبل، ولم يعد هناك شيئاً يحمل له خبراً عن أهله، وها هو يموت كل يوم مراراً وتكراراً، فحياته باتت كالجحيم بالنسبة إليه.
وفي نهاية المطاف يسأل الشاعر أمه عن حالها، وحال والده، وإخوته… قائلاً : ” لعلكم على قيد الحياة مثلي، أم أموات مثلي، بلا عنوان، بلا وطن، بلا شيء”، ثم يقول لأمه: “وما فائدة الإنسان دون كل ذلك؟”، فيبين أن الإنسان حياته لا معنى لها دون عائلته ووطنه.
نعم! قصيدة حملت كل معاني الألم والمعاناة التي لا زال يعاني منها الشعب الفلسطيني على مدار ٧٣ عاماً، وهذا ما جاء في قوله:
وأنتِ يا أماه
والدي، إخوتي، والأهل، والرفاق
لعلكم أحياء
لعلكم أموات
لعلكم مثلي بلا عنوان
ما قيمة الإنسان
بلا وطن
بلا علم
دونما عنوان
ما قيمة الإنسان؟
وختاماً نرى بأن القصيدة لم تنتهي بإجابة الشاعر عن سؤاله، وهذا ما ينم على أن معاناة الشعب الفلسطيني لم تنتهي بعد، بل لا زالت مستمرة، فنحن في صراع دائم دون حياة حتى زوال الاحتلال، وإعادة الوطن الحزين إلى أبنائه.