مجتمع

ناصر عطا الله يكتب: لأنهنّ الفلسطينيات يستحقنّ فتح الكلام على شرفات النشيد

ناصر عطا الله كتبت في يوم المرأة العالمي:

لأنهنّ الفلسطينيات يستحقنّ فتح الكلام على شرفات النشيد

بقلم: ناصر عطا الله/ شاعر وإعلامي

لا كلماتٌ تصعد جبل اللغة الشاهق فيهنّ فقط، بل هي املاءات واثبة في محاولات ممكنة، لعل بساتين البوح تصدح ببعض ما فيهن، فالملأ المكتظ بالشجون، يبدأ مسراته منهنّ، ومنهنّ الدخان الأبيض يتصاعد من كنائس الحياة، ومنهنّ نداءات الصلوات تسيج أسوار المساجد العالية عبر مأذن النور في حارات الصمود والثبات، هنّ المقدسيات.
ولا صيامٌ في شهر واحد ينضبط على أوتار جوعهن، بل إصرار منهنّ على أن الحياة صبر ساعة، لطالما عزيزهن خلف قضبان العز، والشموخ، ينتظرن منه رسالة أو عبور متعّجل لمسح العيون شوق براري الحنين، فلا هنّ عاجزات عود لينكسر، ولا هنّ غير منبع أمل يتسع في صدور المنتظرين، ولأنهنّ السمو الصادق كان منهنّ ثبات النور في عتمات السجون، فلاح فيهن الفداء نبيلاً، يقاس بالوطن كله، لا سهلٌ ولا وادي ولا ضحى ولا ليل، إلا وذكرهنّ في ملأ يردد اسماءهن على شاطيء البحر، ويحمل عنهن حصى الأشواق في قيعان الزمن، وحارسهن نوارس لا تضيم ملهوف، هنّ الغزاويات.

ولا حاجزٌ يترك لهن الوقت كما يشئن، وسلال التين في عروة الصبح المغبّر بمسير طويل نحو الجدار الخشن، محمولةً على أكتافهن، ولا ضباب الحجارة المرصوصة على ضفاف الترب في ممرات التعب غير كراسي لهنّ، يملأن للأحياء حيوات ترضهن، ويسكبن في قلوبهن عرق التضحية، ومنهنّ الناسجات، والزارعات، و الصانعات، والمبدعات ، وحاملات الهمّ الأكبر في عروق الوصب، المعلمات وسائر المسافرات عبر بوابات القمع بين المدن المتعبة، المسورة بجبال راسخات تعلمنّ منها إن البقاء كرامة، والوجود هامة عالية، والحياة بعز لبّ الحكاية، هن الضفويات.

ولا حجرٌ لطائر في سمائهن، المحلقات رغم أنف السحاب، وبراكين الغضب من حولهن، المُلمّات بوعي تعايشهن مع من كتب عليهن الحياة في جواره، وهو المحتّل الغاصب المشكوك في إنسانيته، ولكنهنّ الواثقات من فنون العيش كفلسطينيات الأجداد، لم تحركهن ريح، ولم تعصف بهن رحلة المعذبين، هنّ الثابت في محار الوطن، في قراه وخلف جباله وفوقها، وفي سهوله وعلى زناره، المتاخمات لشفرة التحدي، لهن ملامحهن الأولى، ولغتهن الأصيلة، وزعتر التاريخ منقوشاً على كفوفهن، لا شيء يتغير فيهن، لأنهن حارسات الأمل الكبير، هن الباقيات هناك في الجليل والناصرة ويافا، وحيفا، واللد، والرملة وفي كل شبر من فلسطين ، هنّ المنصورات.

لا وردًا يصل إليهنّ، ولكنها الأمنيات في عودتهن إلى البساتين، رغم البرد الكثيف السميك الموحش في ظلمات المنافي، صامدات خلف الحدود، من وراء البحار، ينتظرن في مخيمات العسرة، ومدن الضباب البعيدة، يحتمين بالأمل، ويرسمن على شفاه من لهن الفرح على أثوابهن، ولا يركنّ ليأس يصيب الشامخات من الرواسي بعد ملل، بل هنّ الصابرات امتداداً في الشتات لجذور أصيلة في المنتظر ، وهن الواعدات بزغاريد العودة، لأترابهن المتلهفات لنثر الأرز فوق رؤوسهن، هنّ المكافحات والقابضات على جمر الهوية في الريح العاتية، وجرف عميقة وساحقة، ثباتهن واحد فوق تراب الدار الأولى، رغم حنو أقدامهن على تراب الغرباء، هنّ النشيد العالي، والوجع الموجع، وهنّ رأس الكلام، وسهم لقوس يكره المنافي، هنّ اللاجئات.

ومنهنّ السوط والصوت، والنور والنار، والاصرار والوتر،  ومنهنّ نربي الغد على سفوح الرجاء، ومنهنّ نكابر في الجرح، ونحترم الحياة تحدٍ، ونعشق السنابل ليسعد الغناء، ومنهنّ نبقى على ثغر وعلى عهد، وعلى رمح لا يخطيء البوصلة، ومنهنّ البداية، ولا مسير بدونهنّ ولا خواتيم لمسرات، ولا زغاريد لانتصارات، ولا سواعد لرايات، هنّ المناضلات الصادقات، فيهن شرف الشهداء ومنهنّ بشائر التنور، المسكون بحراسة الحنّون لبيت لا يمسح دمع الغياب على من ابتعدوا ولم يتركوه وحيداً من أجل قصيدة لم تنته بعد .
ولأنهنّ الفلسطينيات يستحقنّ فتح الكلام على شرفات النشيد.

زر الذهاب إلى الأعلى