ثقافة

سرقوك منك: ولادة الإبداع من خضم الألم

سرقوك منك: ولادة الإبداع من خضم الألم

دانا أبوزيد – خاص اليمامة الجديدة

“سرقوك منك” هي رواية للكاتب السوري الموهوب أنس الغوري وتعد تجربته الروائية الأولى و ذلك بعد إصداره لعدة نصوص، انطلاقاً من نص “يوم لاجئ في مكتبة” حيث لاقى النص رواجاً كبيراً و لمع اسم أنس لتنهال عليه العروض للكتابة في مجلات و مواقع عدة.
صدرت الرواية في شهر تموز من هذا العام و سميت بهذا الاسم تبعاً لرؤية الكاتب أن العالم الخارجي قد يسرق الإنسان من نفسه.
بروح أدبية شغوفة وبقلم فصيح التعبير تمكن الكاتب من إصدار عمل روائي يليق بإبداعه، عمل قد أجاد به تعرية الواقع ونقل الصورة الحقيقية لمعاناة اللاجئ و تجسيد صورة الظلم و القهر الذي يتعرض له بطل الرواية الكادح منذ نشأته إلى أن كبر و تفاقمت مأساته.
قصة الرواية تتمحور حول آدم، الشاب الذي تجاوز الثلاثين من عمره، يقطن برفقة أسرته الكبيرة في منزل صغير بالإيجار بعد لجوئهم إلى بلد مجاور نتيجة حرب جائرة على بلده، والده مشلول إثر جلطة دماغية ووالدته تحارب مرضها بحبها وإقبالها على الحياة، يعمل آدم في مكتبة وهو سعيد بهذا العمل الذي رغم تدني أجره به، قد فتح له باباً ليعيش شغفه الكبير بقراءة الكتب والتحليق إلى عوالم أخرى مليئة بالسلام بعيداً عن إجحاف الواقع المر الذي يحيط به.
يُحدثنا الكاتب عن حياة آدم المثقلة بالشقاء منذ نعومة أظفاره حيث يتذكر منها أحدى المشاهد القاسية، وذلك حين فاته موعد الشاحنة التي تنقله إلى عمله فاضطره الأمر ليذهب مشياً، سالكاً مسافات شاسعة بحذاء بلاستيكي لا يملك غيره ومتعرضاً لمخاطر لا حصر لها، ليصل لعمله متأخراً فيتلقى توبيخاً قاسياً من مديره
وذلك بعد قسوة ما تعرض له.

و التجربة المريرة الثانية التي عاش بها مسجوناً يعاني التعذيب الجسدي والقهر بجميع أشكاله عندما كان غلاماً يافعاً. 
ومن المشاهد التراجيدية في هذه الرواية هو احتراق مكتبة البلدية الذي يتبعه احتراق مكتبة الجاحظ، حيث وصفه الكاتب بشجن ممزوج بمعلومات غنية عن مكتبات عريقة تعرضت لنفس الحادثة
وهذا ما ينم عن جدارة الكاتب في الربط بين الأحداث وإغنائه للقارئ بمعلومات ثقافية قيمة ليخرج من عمله الروائي متفرداً بتجربة غنية وشيقة.
ثم يسرد لنا الكاتب تفاصيل عن شناعة الفقر الذي نهش آدم، الشاب الذي لحق بشغفه لينقذه من واقعه الأليم، ذاك الفقر اللئيم الذي جعله يتخبط بحثاً عن مال ليدفعه لإيجار بيته وليبتاع دواء لوالده المريض.
و في نهاية الرواية ايقاظ للمأساة من جديد، و قهر يتجدد بحسرة على شخصية آدم الذي يعيش معاناة لا تنتهي.
أعجبت بهذه الرواية و أنصح بقراءتها لجدارة الكاتب و فصاحته و اتقانه في التعبير العميق عن ظلم الحياة، وسرده للتفاصيل بصدق و شفافية تجعل القارئ يشعر بفضول و ترقب للأحداث التي أتقن الربط بينها بتسلسل شهي للقراءة، والجدير بالذكر أيضاً هو ثقافته المتقدة وروحة الشغوفة للأدب التي لمستها وشعرت بها بكل صفحة من صفحات الكتاب.
في النهاية أتمنى التوفيق والمزيد من الإبداع و الإصدارات المهمة للكاتب المذهل الذي اعتبره الملهم للشباب لأنه أثبت بجدارة أن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها و نجاحها مهما اشتدت الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى