مقالات

رجب أبو سرية يكتب: رحلة عاطف الطيب 797 سردية ممتعة ولكن!

رحلة عاطف الطيب 797

سردية ممتعة ولكن!

العنوان لا يعبر عن النص:

ظننت للوهلة الأولى بأني إزاء نص “سياحي”, ستكون فيه طائرة الرحلة 797, وهو رقم يحيل القاريء لسلسة طائرات بوينغ 727, 747, 767, لكن لوحة الغلاف, وهي لوحة القبلة للرسام النمساوي جوستاف كليمت, وشت بأن الرواية, إنما هي رواية رومانسية, وقد كانت كذلك. فالرواية لم تتحدث عن رحلة بطلتها ليلى عبر طائرة مصر للطيران, برحلتها رقم 797, كما تحدثت من قبل روايات: الطريق إلى بلحارث, الطريق إلى بير زيت, الطريق إلى بئر سبع,,, وذلك بغض النظر عن الوسيلة التي يجري التنقل فيها عبر الطريق, طائرة أو باخرة أو سيارة, حيث تكون الطريق حاملا للمسار السردي كمكان متحرك يواكب التنقل المتواصل, ومن ثم النقلة التي تحدث التحول في الشخصية أو الشخصيات التي سارت معها أو عبرها, بل عن تلك العلاقة الإشكالية أو الملتبسة, بين بطلي النص (ليلى وآدم), والتي وصلت ذروتها أو بمعنى أدق تركزت في تلك الواقعة الصادمة لقاريء عربي,  نعني واقعة المواقعة الجنسية بين امرأة عربية مصرية, ورجل مصري مقيم في النمسا, حيث عاد النص (فلاش باك), ليعرض شخصيتي ليلى وآدم, بكل تفاصيلها, منذ ولدا وحتى تلك اللحظة. وهكذا كان يمكن إطلاق اسم “الحياة أو الحرية أو حتى الجنة في فيينا”,  أو حتى الثنائي التقليدي, “آدم وليلى” وقد كان لاختيار الأسمين دلالة, تذهب بالقاريء إلى الجمع أو الربط بين خطيئة آدم, بأكله تفاحة الجنس مع حواء, وحب ليلى العذري لقيس, أو ما شابه ذلك من عناوين.

أما الدخول إلى النص, فقد كان عبر الممر المشوق ارتباطا بما تضمنه من جرأة في تقديم واقعة حميمية, بتفاصيل, صحيح لم تكن “إباحية” لكنها كانت تعبيرية مطولة, أي لم تكتف بمهمة الإعلان عن الحدث وحسب, ثم كان “الفلاش باك” المتوقع, لتبرير تلك الواقعة أو الإفصاح عنها, عن طرفيها, وعن طبيعة العلاقة بينهما, ولم يكن ذلك سهلا, ولا جاء دفعة واحدة, حيث أن الكاتب قد بنى نصه كله, بهدف الوصول إلى ذلك التبرير.

وقد جاءت هندسة النص على أساس محورية الراوي الذي التصق تماما, وبشكل مستبد بشخصيتي ليلى وآدم, اللذين كانا ركني السرد, أو بمثابة “لوكيشن” النص, حيث تجول الراوي بينهما عبر تسعة فصول, أفرد لليلى ثلثيها, أو الفصول 1 , 2, 4, 6, 8 , 9 . في حين كان آدم موضوع الفصول:  3 , 5 , 7 , وظل الراوي ممسكا بزمام السرد, عير ضمير الهو والهي, ولكن رغم أن هذا التكنيك السردي عادة ما يعني الوصف الخارجي, أو ما يشبه السيناريو, إلا أن الراوي هنا كان يلتصق بدواخل الشخصيات, ليلى وآدم, لدرجة أن يقوم بسرد مونولوجاتهما الداخلية, لكن هذا قلل كثيرا من ظهور المونولوجات الخاصة بلسان أو بلغة أصحابها, والمونولوج هو أحد استخدامات التكنيك السردي المعتادة.

أما الزمان الممثل فقد كان بضعة أسابيع أو أشهر, أي المدة ما بين أن تلقت ليلى الأيميل من أخيها ياسين عارضا عليها فكرة زيارته في فيينا, والإقامة أشهر الصيف مع ابنه الرضيع عبد الله, حيث كان أسبوعا تلك الإقامة أهم تلك الفترة, أما الزمان الروائي الذي امتدت عبره الحكايا, لإضاءة الشخصيات بالأساس فكان عقودا طويلة, أكثر من أربعة عقود, هي عمر ليلى وآدم _تقريبا, منذ ولد شريف الوراق المنياوي, منتصف أربعينيات القرن الماضي, إلى لحظة كتابة النص, وقد كان الزمان أكثر حضورا من المكان, نظرا لأن الرواية تهتم بالاجتماعي, وأكثر حضور للمكان كان بشكل سياحي,  أو كمشكاة تراتبت الحكايا عبره, حيث قرأنا الشكل الأول في فيينا, وحتى في ايطاليا, والشكل الثاني عبر النيل برفقة جد آدم ميسرة ود المبروك العمدة.

أما الحبك, أو الخط الدرامي, فقد رافق شخصيتي ليلى وآدم, لكنه كان أفقيا دون تصاعد يذكر, وذلك للسبب الذي نوضحه في الحديث تاليا, فلم يكن هناك توتر في الشخصيات خاصة شخصية ليلى, التي لم تقدم على التعبير عن رفض علاقتها بزوجها, رغم ارتكابها خطيئة مضاجعة رجل غريب, لم ترى حتى وجهه في الظلام, ولا تتذكر أسمه, ورغم أن ذلك قد وقع قبل سنوات (وهي في عمر 25 سنة, أو بعد 8 سنوات من زواجها من فاروق), ولو ظهرت شخصية ليلى أولا وشخصية آدم ثانيا كشخصيتين مأزومتين, لكان الأمر قد اختلف, وليلى ظهرت طوال 18 فقط, في مظهر المحتجة على زواجها مرة واحدة حين ذهبت لبيت أهلها ناوية عدم العودة, والثانية حين ضاجعت الصديق أو العشيق السابق لزميلتها ناريمان.

أما آدم فقد ظهر كرجل يعيش حياته في أوروبا, يقيم العلاقات مع النساء ببساطة ويسر, حتى أنه عاش مع مارتينا ماريا إليزابيث 3 سنوات وسبعة أشهر مارس معها 168 مرة, وقد حاول الكاتب عبر الراوي, أن يقنع القاريء بأن شخصيتيه كانتا مأزومتين بالقول, دون أن يقنع ذلك عبر سلوكهما, فحتى أنهما لم يتعلقا ببعضهما بعد أول زيارة لليلى مع عائلتها لفيينا.

واستخدم الكاتب تكنيكا سرديا, قائما على الجملة السردية الطويلة نسبيا, وهذا سبب ظهور الإيقاع النصي بطيئا إلى حد ما, لكن الجملة السردية لم تكن لتعبد الطريق للحدث فقط, بل كانت موشاة معرفيا, بالزراعة وترميم المخطوطات, والموسيقى وما إلى ذلك. وقد استخدم التكنيك التضمين بأغاني أم كلثوم والحوارات وإن بشكل محدود, ظهرت من خلاله لهجة محكية, كذلك تضمن السرد عددا من الرسائل.

وقد كشف الكاتب عن ولعه بألف ليلة وليلة, حيث قال في آخر الرواية بأنها كانت رحلة ألف ساعة وساعة وهي فترة تبلغ نحو ستة أسابيع, المدة التي كانت الزمن الممثل في الرواية, أي ما بين تلقي ليلى الأيميل  حيث بدأت تحلم بفيينا وآدم, وسفرها ومن ثم عودتها إلى القاهرة بعد أن “ارتبطت عاطفيا وجنسيا” بآدم. وقدم رواية تحض على تحرر المرأة من قيد مؤسسة استبدادية هي مؤسسة الزواج الأبدي, بما يحيل إلى  الرواية لأجواء التناص ولو من بعيد مع رواية إحسان عبد القدوس, وفيلم من سيناريو نجيب محفوظ “أنا حرة”, لكن مع التأكيد على أن الحرية هنا إنما هي الحرية الشخصية.

 

وجاء النص الروائي عبر تسعة فصول كما أسلفنا, اضطر الكاتب بسبب طولها إلى تقطيعها, عبر مقاطع متعددة, لكن المقاطع التسع كانت مرتبطة بالتناوب السردي ما بين شخصيتي ليلى وآدم.

 

 

استبداد الراوي وارتباك المقولة

الحقيقة أن كل البناء الروائي, سار وفق خط سردي محاولا أن يقنع القاريء, بما حدث في المشهد الأول من الفصل الأول, والذي صور من خلاله الراوي, تفاصيل ما شعرت به المرأة والرجل معا, بعد أقامة العلاقة الحميمة مباشرة, حيث شعرت ليلى لأول مرة في حياتها بانعدام الخجل من التعري التام, أمام  شريكها في المواقعة, أي آدم, ذلك الشعور الذي لم تشعر به من قبل, تجاه أي رجل آخر, ولا حتى زوجها الذي عاشت معه 18 عاما بالتمام والكمال.

ولم يمثل السرد محاولة الكاتب لتبرير تلك الواقعة منطقيا, وحسب, بل إن النص كله سار باتجاه محاولة الوصول لمقولته المرتبطة بتلك الواقعة, والتي تمثل _بتقديرنا_ موقفا تقدميا حداثيا أو عصريا, يرى في مؤسسة الزواج الشرقي, مؤسسة مستبدة قاهرة خاصة للمرأة التي لا يمكنها الفكاك منها, تماما كما هو حال شعوبنا مع أنظمتها السياسية والمجتمعية, وذلك بغض النظر عن الدرجة التي وفق بها الكاتب, وفق رؤيتنا, أو لم يوفق بها, أو أنه وفق بدرجة أقل مما كان ممكنا, لو أنه اتبع معالجة , أو أسلوبا آخر أو مختلف في صياغة النص .

بعد البداية القوية المشوقة, بنى الكاتب هندسة النص على أساس الثنائية التقليدية التي تجمع الرجل والمرأة, لكن ما هو جديد ومهم هنا, كان أن المرأة العربية كانت متزوجة, حيث لا يحرم عليها المجتمع أقامة أية علاقة خاصة مع أي رجل دون عقد زواج فقط, بل أن القانون أيضا يجرمها بجريمة الزنا, لذا نقول رغم قوة الفكرة, وأهمية المقولة التي تمنح النص شرعيته, إلا أن المعالجة كانت ضعيفة إلى حد ما, ولهذا لم يظهر المشهد المشار إليه كحل لذروة حبك, أو كنتيجة منطقية لتصاعد  خط النص الدرامي, الذي كان لا بد له أن يرافق شخصية ليلى بالتحديد, حيث هي الشخصية المأزومة, والمكبوتة والتواقة لعاطفة رومانسية , وليس آدم, رغم كل ما حاول الكاتب من قوله حول حاجته لامرأة مكتملة, حيث لم تكن حتى ليلى هي تلك المرأة, وهو سبق له وأن عرف 12 امرأة بمن فيهم “نور” المثقفة جدا, والعربية أيضا, هذا إن كان أصلا يعاني من عدم انسجام عاطفي ونفسي مع المرأة الغربية.

فلليلى هي التي بادرت بالطلب من آدم الذهاب إلى ورشته, وهي تتمنى أن يتحرش بها, وهي ذهبت إليه بعد أن خلعت بينها وبين نفسها زوجها, وعرضت على آدم الزواج وفق الشريعة الإنسانية, وأن تبادر ليلى فهذا منطقي, وفق أجواء النص المحيطة بالشخصيتين, لكن …

الحقيقة أن الواقعة التي حدثت بين ليلى وآدم, ظهرت كما لو كانت one night affairs, وذلك لأنها لم تكن تتويجا لعلاقة توافق ومن ثم حب عاطفي بين امرأة ورجل, وكان يمكن للكاتب أن يزرع بذور تلك العلاقة خلال رحلتها الأولى لفيينا, ومن ثم تتواصل الشخصيتان, عبر الهاتف والأيميل, فيحدث التعارف الذي قدمه النص خلال مرافقتها له يومي السبت والأحد اللذين أعقبا أول أسبوع لها في فيينا, ثم يومي السبت والأحد في الأسبوع التالي, حيث وصلت علاقتهما للذروة بممارسة الجنس بينهما, ولو فعل ذلك, لسار خط السرد بشكل تصاعدي مقنع ومشوق, ولكان الحل لعقدة الحبك طبيعيا, والأهم أن الحل نفسه, كان يمكن أن يتضمن شكلا مقنعا للقاريء العادي, لو انه جاء وفق التطور الاجتماعي الذي شهدته مصر خلال العقدين الأخيرين, فحيث أن النص الروائي مكتوب عام 2012,  كان فيلم “محامي خلع” لكل من هاني رمزي وداليا البحيري قد ظهر للناس عام 2002, أي أن الفيلم متقدم على الرواية بعشر سنين, هذا مع العلم بأن الطبيعي أن يكون النص الأدبي متقدما بوعيه عن الفيلم السينمائي, وليس العكس.

ولو أن دخول آدم في حياة ليلى, قد كان في زيارتها الأولى حين التقته خلالها, ومن ثم تواصلا مدة عامين وثلاثة أشهر وأربعة أيام هي المدة بين الزيارتين, لكان منطقيا أن تطلب من زوجها الخلع, ما دامت هي الشخصية المبادرة في النص, وذلك بعد أن تكون الشخصية قد تأزمت خلال مدة العامين وسبعة أشهر, لكن أن لا يحدث أي تواصل بينهما, ضمن تلك المعالجة, فقد كان ذلك خيارا أرهق النص, وأضعف الفكرة, ورغم ذلك كان النص روائيا جيدا, وحتى مشوقا في كثير من فصوله, ولكن ليس كلها, وذلك لاستخدام الكاتب حرفيته وتمكنه الحكائي, عبر توالد الحكايات, بسرد العديد من القصص خاصة تلك التي ارتبطت بجد آدم ميسرة ود المبروك العمدة, كذلك لغته المتدفقة, والمشبعة معرفيا, خاصة في حقل فلسفة المشاعر الإنسانية الشخصية.

أخطاء غير مهمة في منطق القص

ورد عدد مما نعتقد أنه أخطاء في منطق القص _بتقديرنا_ لا تقلل كثيرا من أهميته, منها:

1_ ورد أن ليلى متزوجة منذ 16 صفحة 30, ثم منذ 18 سنة صفحة 76.

وآدم أنجبته أمه بعد 16 سنة مرة, وفي موضع آخر بعد 18 سنة, ربما كان فارق العامين هو الذي كان بين وقت كتابة الرواية 2012, وطباعتها 2014 ؟ !

2_ ورد أن تجربتها الوحيدة خارج إطار الزواج كانت وهي بعمر 25 سنة, بعد عام من إنجاب رانيا, ثم ورد في موضع آخر بأن الواقعة حدثت في عامها الثامن من الزواج (بتقديرنا أنها تزوجت بعمر 22 سنة أي بعد تخرجها من كلية الألسن, أي نحو العام 1994, على اعتبار أنها مولودة عام 1972)

3_ ورد أن شريف الوراق تزوج زهرة, صفحة 135, في حين يقول الكاتب بأن أمها_أي أم ليلى الأم سامية صفحة 151.

4_ يقول ليلى أعطت أسامة, حبيبها الأول أيام كانت في الثانوية, أي عام 1990 تقريبا, رقم هاتفها, وكانت تخاطبه باسم سمية ( هل كان المحمول منتشرا في ذلك العام ؟!), ثم هي اتصلت بهشام من المطار, واتصلت بأخته فاطمة .

5_ يقول النص بأن أبا هشام, حبيب ليلى في الجامعة أي ما بين عامي 1990_1994, في حادثة عبارة السلام 98, فيما العبارة غرقت عام 2006.

6_ كيف لأم آدم أن تخبره عن ممارسات رشيدة مع مدرس ابنتها, وبسيمة مع طالب الحقوق, كل تفاصيل علاقة المرأتين بعشيقيهما, والأهم كيف عرفت هي تلك التفاصيل بالتحديد ؟ !

7_ قال مرة أن شالها الأزرق نسيته في بيته ونسي هو أن يحضره معه حين ذهب إلى المطار في وداع عائلة فاروق وليلى, ومرة أخرى يقول بأنه أهداها شالا ازرق  ص237 !

8_ نسي  الكاتب أو الراوي أن  يدفع آدم لأن يخبر ليلى لاحقا, كيف تغير اسمه من فيروز إلى آدم .

9 _ هل تحدث دوامات حقا في النيل, حتى تصارع قمر بحر النيل الأسيوطي الغرق, فينقذها جد آدم ميسرة ود المبروك العمدة.

زر الذهاب إلى الأعلى