ثقافة

شعرية السرد في مجموعة “ويحكي البحر حكاية عشق”  للقاص والروائي الراحل عثمان خالد جحجوح

شعرية السرد في مجموعة “ويحكي البحر حكاية عشق”  للقاص والروائي الراحل عثمان خالد جحجوح

بقلم: جبر جميل شعث/ شاعر وناقد   

يحسب للقاص عثمان خالد ريادته لأدب البحر وتفرده فلسطينياً فيه ، كما تحسب له قدرته على جسر الهوة بين السرد والشعر ، ومحو الفواصل بينهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا ؛ فقد وعى وعمل في هذا السبيل الجميل حتى وضع المتلقي في حيرة ، فيما يقرأ أهو سرد مشعرن أم شعر مسردن ، ولا ندري إن كان الكاتب قد اتبع دعوة ( عزرا باوند ) الذي نادى بإلغاء الحواجز بين الأجناس الأدبية ، أم أن روحه المموسقة هي التي هدته إلى بث موجات موسيقية عالية في قصصه القصيرة في مجموعته المشار إليها ؟

إن القصة القصيرة التي تتخذ من اللحظة والموقف المكثف أهم سماتها المحددة ، تتطلب شكلاً جمالياً ، أكثر مما تتطلب شكلاً طبيعياً ، وهذا لا يعطيه مساحة تسمح له بالانتشار تفصيلياً ، ولا بالتحكم في ضبط المكان ، ولا بالقبض المحكم على اللحظة الزمنية ، كحال الكاتب الروائي . رغم هذا الحيز الضيق الذي تحرك فيه عثمان خالد ، إلا أننا نجده قد جعل من الصورة الفنية ، وهي متطلب رئيس وأصيل للقصيدة ‘ إحدى أهم تكنيكات بنائه السردي في جل قصص مجموعة ” ويحكي البحر حكاية عشق ” دون أن يغفل الإفادة من تكنيك الحوار وهي ثيمة أولى للمسرح ، وكذلك الإنفتاح على لغة السينما ، فقد بدت جمله كأنها لقطات سينمائية ، وقد أشار إلى ذلك الناقد الأستاذ الدكتور عدنان قاسم في معرض تقديمه للمجموعة.

تتبدى لنا الشعرية في السرد من عنوان المجموعة ، وهي القصة التي شحنها القاص بشحنات شعرية عالية وطاغية وللتدليل على ما نراه نسوق مقطعاً سردياً في هذه القصة : تورد خد البحر ، طلت العذارى ، ازدحمت بهن المسارب ، أثواب الجنة والنار تمتص ضوء الشمس … ينتشن الصبية مناديلهن ، يتمايلن ، يلحقن بالأولاد ، تتطاير خصلات الشعر ، تنفرط قلائد المحار … الزغاريد تسابق الشمس إلى البحر … الأهازيج تصل آذان السمك … يلد البحر لنشاً جميلاً … يستكين البحر على شفة الشاطيء إلخ …

ومثل هذا القص الذي يجنح أحياناً إلى الترميز ، الذي يتكيء مطمئناً على القصيدة ، لاسيما قصيدة النثر ، نجده في قصص : الحوت وآخر حقائق البحار سعيد والزبد الوردي والسردين المر والشمندر ……….

إن المصالحة الطوعية والمحمودة التي رعاها كاتبنا المبدع ‘ بين القصة القصيرة التي تجنس سرداً ، وبين قصيدة النثر التي تُجنس شعراً ” وإن كره المنكرون الذين في ردتهم يعمهون ” لهي مطلوبة من المبدعين كافة ، نحو إلغاء الفواصل والحدود بين الأجناس الأدبية ، وصولاً إلى “المشروع الكتابي ” حسب مصطلح عزرا باوند ، أو مابات يعرف بالنص المفتوح فيما بعد.

*صدرت عام 1995 عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين.

زر الذهاب إلى الأعلى