صورة الفلسطيني بين التنميط والتهميش

صورة الفلسطيني بين التنميط والتهميش
خالد جهاد- كاتب فلسطيني
برغم تناول الكثير من الكتَّاب والأدباء والشعراء والفنانين العرب في أعمالهم بخصوص القضية الفلسطينية، وبشكل خاص حتى نهاية القرن الماضي، إلا أن صورة فلسطين وشخصية الفلسطيني ظلت هُلامية، ما بين تنميطها في نفس الشكل والمضمون، ووضعها في نفس القالب المتصل بالنضال والآلام والدموع، أو تهميشها، وفي بعض الأحيان إظهارها بشكل سلبي، واقتصار وجودها على خدمة الشخصيات الدرامية الأخرى والدوران في فلكها بهدف جذب بعض المشاهدين، دون وجود حقيقي لفلسطين وقضيتها أو الفلسطينيين كأشخاص عاديين.
وكان المظهر الخارجي في بعض الأعمال الفنية العربية مصطنعاً، فيظهر الشخصية الفلسطينية وكأنها ترتدي الملابس التراثية طوال الوقت، وهذا غير صائب؛ لأن الفلسطينيين كأي شعب يرتدون الثياب العادية في حياتهم اليومية، وتبقى الأزياء الشعبية مرتبطةً بالمناسبات الوطنية، عدا عن أن ارتدائها بشكلٍ مستمر مرتبطٌ أكثر بالأجداد والجدات.
كما أن ما يُقدَّمُ كزيٍّ تراثي غير دقيق، وقد يتمُّ ارتداؤه بشكلٍ خاطىء من الأساس، لتكون النتيجة صورة لا تمتُّ للفلسطينيين وإرثهم بصلة، فالملابس التراثية في فلسطين متنوعة ومختلفة باختلاف المناطق والعمر والحالة الاجتماعية، وتزخر بالتفاصيل الجمالية التي تميِّزُها، ولها طرق وطقوس تصاحب ارتداءها.
ولا يمكن أن نغفل عن موضوع اللهجة الفلسطينية التي تم تقديمها لعقود بشكل ساذج، ينطوي على الكثير من المغالطات؛ كالخلط بين اللهجات المحلية اللبنانية والمصرية والبدوية بشكل مستفز لا يقنع أحداً. ولم يقدِّمها بشكل صحيح سوى الفنانون السوريون والأردنيون، بسبب القرب الشديد في أغلب التفاصيل، وأدُّوها بشكل ممتاز يراعي الفوارق بين المناطق والمدن والقرى والثقافات، والطبقات الاجتماعية كأيِّ بلد عربي آخر.
كما أن تقديم الشخصية الفلسطينية كان دوماً محل حرج وحساسية، حتى كسرت الأعمال الاجتماعية السورية هذا الحاجز، فقدمتها كشخصية عادية تعيش في المجتمع تتعلم، تفكر، تحلم، تخطىء. لها سلبياتها وتناقضاتها كجزءٍ من السلوك البشري، ولها أحزانها ومخاوفها والصعوبات التي تواجهها في الحياة بسبب هويتها الفلسطينية، كما رأينا ذلك بشكل متجرد في العديد من المسلسلات السورية، ومن أهمها مسلسل (تخت شرقي)، في الدور الذي لعبه الفنان السوري “مكسيم خليل”، وفي الدور الذي لعبته الفنانة السورية الكبيرة “سمر سامي”. وكان الطرح سلساً وحقيقياً، يحكي الواقع كما هو وبدون مجاملة أو محاباة، مما مهَّدَ الطريق لأعمال وأسماء فلسطينية ومكَّنَها من التواجد عربياً بشكل أكثر سهولة من قبل، وأعطاهم الفرصة لرواية حكايتهم بتفاصيلها، وبطريقتهم التي تشبه الأوجه المتعددة لفلسطين، والتي لم يرها الجميع بعد.
والشخصية الفلسطينية هي شخصية عادية، وجدت نفسها في ظروف غير عادية، خلقت حولها العديد من الجدران التي عزلتها عن محيطها العربي، ومنعتها من التواصل معه بشكل طبيعي، وتحتاج منه إلى التخلِّي عن الكثير من الأفكار المسبقة والصور النمطية التي ألصقت بها تماماً كما ألصق بها العديد من الأكاذيب، وتحتاج إلى الوعي بها والإلمام بظروفها، والتحقق من المعلومات التي تحمل اسمها لزيف الكثير منها، لأنها ليست مجرد قضية لشعب بل هي قضية تختزل معركة الخير والشر والحقيقة والكذب منذ فجر التاريخ بين البشر. تمسُّ في جوهرها الجميع، ويحمل كل إنسان حقيقي في وجدانه جزءاً من مأساتها متعددة الأبعاد، والتي تشبهه بشكل شخصي دون أن يدري في أحد جوانب حياته.