عالم الرواية، بين حقيقة وخيال: نصر أبو بيض

عالم الرواية، بين حقيقة و خيال
نصر أبو بيض- كاتب فلسطيني
أحاول جاهدًا أن أُخرج روايتي بالشكل المطلوب، مع كل شخصية أكتشف ثغرة يجب معالجتها بطريقة ما، لا أعرف أين يمكن أن يؤول بيَ الحال، أصبحت مؤمنًا بأنّ كل شخصية يصنعها الكاتب تسرق منه جزءًا لا يمكن أن يعوّض و تعكس صورة خفيّة لم يكن من الممكن خروجها إلا بهذا الشّكل، للحظة يشعر الكاتب بأنّه سيء الطّبع، مزاجي، حكيم، طويل البال، فيلسوف، سكّير، صوفي، و سارق، يقف هنيهة و يرى نفسه في كل صورة يصنعها، لا ينفكّ ينتقل من شعورٍ لآخر و حالما ينتهي يشعر بأنّ طاقته انتهت.
كتابة الرواية تختلف عن أي كتابة، تجبرك على الإبحار في مكامن نفسك، تسبر أغوار روحك و كأنك تعرفها لأول مرّة، تستغرب من ردود أفعالك و طبيعة وصفك للأشياء، و تبنّيك لبعض المبادئ، و تخلّيك عن بعض القوانين الحياتية إذما مرّت شخصيتك المفضلة في مشكلة ما! تشعر للحظة بأنّ مصطلح ( التنازل ) ليس ببعيد عن أي إنسان إذ ما اقترن بمن تحب، هذه الفضيلة الجميلة تجعلك تعرف نفسك بصورة أفضل.
إن الرّواية عالمٌ واسعٌ كهذا الكون، كلما أمسكت خيطًا انسلّ آخر، ما أن تبحر فيه ستجد نفسك قد غرقت. إن من أصعب الحظات التي يواجهها الكاتب تلك التي يحاول فيها جاهدًا أن يحافظ على شخصيته الأساسية، وإني لأعتقد جازمًا بأن كل كاتبٍ للرواية يمتلك ألف شخصية تسكنه، إذ لا يمكنه التأقلم مع بؤس هذه الحياة بشخصية واحدة، هو يحتاج لكل الصفات و السلوكيات المتوقعة و غير المتوقعة ليتماشى مع ما يعيشه من واقعٍ مفروض و واقعٍ يصنعه في خياله.
يروق للكاتب أن يبدأ بالوصف دون أن يتطرق لأي حل في البداية، يتلذذ بالغرق و ما أن يشعر بأن النهاية وشيكة يقوم بمدّ يد الأمان لنجاة يؤنس بها رئته الغريقة، كما أنّ للمحبّ صفة التلذذ بألم الحب، فإن الكاتب يتلذذ بانتقاله بين شخصيات عِدة، ما بينَ حزينة وسعيدة، مكسورة ومقهورة، تكابد العناء من أجل النجاة، إن عيشَ أدوار الشخصيات يورث الكاتب صفة تمثيلية و مرونة في الانتقال الحرّ بين شخصياته دون أن تطغى إحداها على الأخرى، هذا ليس بالأمر السهل، لهذا فقد وَجب أن يعلم الجميع بأن تحرير النصّ و الرواية ليسَ محض لعبة، إنه خلق حياة من اللاشيء، إن هذه إحدى أعظم معجزات الأدب وهِباته.