ملفات اليمامة

الحرب والأمل: رسائل بين صديقتين في زمن الصراع

الحرب والأمل: رسائل بين صديقتين في زمن الصراع

إلى مريم الخطيب،
باقة من شقائق النعمان، وبعد.

بقيت هذه الرسالة على سطح المكتب لأسابيع طويلة. إنني أعاني مع الهالات السوداء ومع مادة الأدب الإنجليزي ومع الامتحانات والواجبات الجامعية التي لا تنتهي، ولأكن صادقة لم يعد أي منها يعنيني، كل ما أريده هو راحة دائمة. لكن، ما الراحة؟ أذكر في المرة الوحيدة التي تركت نفسي فيها للفراغ، هرشني الاكتئاب. أحب الأسود كثيراً كحبي لنقيده، لكن الرمادي الملعون يشنقني، ويسرق من الأطعم مذاقاتها ومن المشاعر لذتها، ويسرقني مني!
لا أخفيك أن الأخبار في الأيام الأخيرة أقلقتني كثيراً، لكن ما تعلمته مؤخراً أن الألم جميل لأنه ليس سرمدي. لو بلعتني الأرض وفوقي طوب العمارة فبالتأكيد سأتألم، لكن كل هذا سيزول، سأموت بيوم أو يومين، وإن كنت من عباد الله الصالحين سيتوب ربي عليّ ويميتني في دقائق معدودة. انتظار الروزنامة السنوية للغارات أصبح مملاً، بلادنا يسودها الضحك ومحتلنا يقصف عمره الصمود.
بالمناسبة، الأوركيد عاد يخاطبني مرةً أخرى، إن كنت تملكين بعض الوقت سأسعد بأن أطلعك على ما كتبت.
بتول أبو عقلين – غزة
7/ إبريل/ 2023

 

مقالات ذات صلة

عن العالم والشعر وأشياء أخرى قبل الموت بدقيقة أو بمئة عام.

إلى الزنبق الأسود الذي سيكتب اسمي في رزنامة الموت. اسمي مريَم بفتحة على الياء ولا أُحبذ الكسرة تحت الميم.

كُنتُ مُنذ يومين مع الأطفال. سألتهم ما الحرب؟ قالوا أكشن.

تعجبت من طفل يبلغ من العمر ٨ أعوام لم يشهد سوى حرب وغارات بالية أصبح يقول لي أن الموت أكشن.

الحرب، الصوت، والغارة أصبحت مناجاة من السماء للأطفال للتغيب عن حضور الحصص المدرسية. كنتُ أبكي على الحرب والموت كيف أصبح الحرب أكشن نموت ونصبح تعداد رقمي.

وبعد ذلك نُنسى كأننا لم نكن. الحرب خداع الموت. الحرب جزارة. الحرب فلاحة تقلم الأرض جيداً، الأرض فمها واسع تأخذ كل شيء حتى لعبة الطفل وملابس العيد، السماء تتزاحم بها الأرواح.

لا أظن أن الطريقة الأنسب لي أن أموت تحت الركام. لربما أخرج من رماد الحياة، البيت، والذكرى وفي طريقي إلى المشفى يتلف عجل الإسعاف فلا أصل. لا أعلم حقيقة الخوف هُنا ولا حتى الجدوى منه.

علينا يا صديقتي ألا نعتاد الحرب. علينا البكاء والصراخ. علينا الخوف. صديقي المسافر في وداعه قال لي سأترك جناح الزنانة في سماء الوطن واذهب لاشتم الهواء، رددته مازحة بصوت التشويش الذي برأسي من الزنانة. قصبتي الهوائية ضيقة جداً وأخاف من تغير الهواء الذي صُقل في دمِ منذ الولادة، لذلك لم أعتاد السفر.

حقيقةً أنا وصديقي سنلتقي بعد أن تقرر حروبنا التقاعد، وأن ينتظم طابور الموت في وطني، ويعم ضجيج الحياة في المدينة، أسلم التقرير الصادق عن عدد المبتورين، وحين أخرج من بيتي دون أن ينتظرني موت.

سنلتقي حين تتعود قصبتي الهوائية إنعاش نفسها دون استخدام الفورديل، وحين تصبح زُرقة السماء حقيقة دون احمرار يكسر رونقها المعتاد.

بتول، حدثي أُوركيدك أنني انتظره.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى