عبيد الزاكاني.. سيرة وحكايات من الأدب الفارسي

عبيد الزاكاني.. سيرة وحكايات من الأدب الفارسي
محمد الحسين / كاتب عراقي
لم يكن عبيد الزاكاني مجرد اسم شاعر عاش في القرن الرابع عشر في العصر المغولي، لم يكن مجرد رجل فارسي تخطى سن السبعين عاما في حياة مضطربة، بل إنه كان أكبر من ذلك بكثير، ولا يخفى أنه الملقب بعميد الظرافة الفارسية، وقائد الفكاهة الشعبية في إيران، فحياته وآثاره إنما هي ينبوع متدفق من الحكمة الإنسانية الخالصة، والحكاية النادرة العجيبة المطرزة بأسلوب مهذب وجذاب. وعندما نجد جحا والبهلول في التراث العربي نجد الزاكاني ما يقابل ذلك في التراث الفارسي.
وذلك سبب ما استوقفنا عند هذا الاسم الكبير لنبحث في بطون الكتب والآثار والدراسات عما يلبي الذهن ويفيد القارئ، وقد تردد اسمه في المتون المترجمة عن الفارسية كثيرا، ولكن قد يكون ما يعرفه القارئ العربي شيء قليل من الكثير عنه، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على عبيد الزاكاني، وننقل عن الفارسية بعض طرائفه، ونوادره.
ولد نظام الدين عبيد الله المعروف بالزاكاني في حدود العام ١٣٠٠م (محل شك) في إحدى قرى قزوين، ويعود نسبه إلى آل زاكان وهم فرع من عرب بني خفاجة الذين هاجروا إلى إيران واستقروا في قزوين بعد الفتح الإسلامي، فأصوله عدنانية عراقية، وقد عاش الزاكاني شطرا من حياته في شيراز حيث درس هناك وتعلم على يد مشايخها، وأخذ يمتدح الملك والوزراء لينال منهم ما هو فضل وخير له، ومنذ طفولته كان عبيد الله مولعا بمطالعة الكتب، ولم يتوقف عن مسايرة العلماء والمشايخ، فتعلم اللغة العربية واجادها، واطلع على علم الفلك، وليجد الباحث في سير العلماء والحكماء أن ما من أحد منهم اطلع على علم الفلك ودرسه الا وكان عبقريا نابغا، حيث لهذا العلم تأثيره الكبير على تفكير العقل وصقله.
ثم عاد إلى قزوين التي مكث فيها حتى وفاته، ويقول المؤرخون أنه جلس على عرش القضاء في قزوين لفترة محدودة. رغم أن المؤرخين والباحثين الفرس لم يظفروا بالكثير من معلومات عن سيرته، وحياته الخاصة، غير أن ثمة من يدعى بحمدالله مستوفي وهو رجل من أهل قزوين عاصر الزاكاني وألف كتاب (تاريخ گزيده) وذكر فيه شيئا عن الزاكاني، وكذلك دولتشاه السمرقندي الذي كتب عنه في مذكراته، بالإضافة إلى بعض المعلومات المثبتة في قصائده ورسائله، ويصفه بعض الباحثين بأنه مشابها إلى حد ما بالكتاب الفرنسي فولتير.
رغم أن الزاكاني عاش حياة كريمة ومنعمة بالرخاء، لكنه بلي بالفقر وتثاقلت عليه الديون في سنواته الأخيرة وغير معلوم ما هو صحيح عن سنة وفاته، ويقال أنه زار أصفهان، وسافر إلى بغداد قبيل وفاته المرجحة بين عام ١٣٧٠م وعام ١٣٧١م كما غير معلوم مكان قبره، ويذكر أيضا أنه في كرمان،او أصفهان أو بغداد.
وللزاكاني ديوان شعر يتضمن ما يقارب الثلاثة آلاف بيتا، ورغم شهرته شاعرا فقد فاقت شهرته عن كونه منظم سخرية وفكاهة وهجاء، ولقب بأنه ابو الهجاء الفارسي.
والمشهور من أعماله :
منظومة القط والفأر (موش و كربه)، ورسالة اللحية (ريش نامه)، وكتاب أخلاق الإشراف وهو من أشهر أعماله وأهم كتب التراث في الفارسية، ومئة درس (صد پند)، الرباعيات، رسالة دلگشاه، منظومة البناء (منظومه سنگتراش)، وكتاب الفصول العشرة، وغيرها الكثير.
يقول غلامحسين يوسفي في كتابه (ديدارى با اهل قلم) : “إن نقد قضايا المجتمع في قالب النكتة والظرافة، والابتكار ونعومة التعبير وقوة التفسير، والايجاز الفني هي من السمات المهمة في أعمال عبيد الزاكاني.”
ويقول يان ريبكا في كتابه (تاريخ الأدب الإيراني) : ” لا شك أن السبب الرئيسي لعدم اكتراث النقاد الأدبيين القدامى والجدد بعبيد الزاكاني يمكن تلخيصه في نظرته المبدئية لمعارضة الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية الحضرية.”
وفي مقال عنه كتبه الدكتور أحمد خالد البدلي قال فيه : “عانت إيران من الهجوم المغولي، فكانت السخرية والفكاهة احد الاسلحة التي شهرها الفرس في وجوه أعدائهم، وكان عبيد الزاكاني قائد هذه الفرق الساخرة الذي كشف الزيف والتردي والبؤس الذي انحدرت اليه ايران من خلال السخرية والضحك وهو ضحك كالبكاء كما قال المتنبي.”
فما الذي يراه الزاكاني في هذه الحياة التي عاشها؟ الحياة المليئة بالظلم، والجور والنفاق والمظاهر الخداعة، والتشرذم والفوضى، والقتل والفقر المدقع، و الانحلال الاخلاقي، ليس سوى السخرية من هذا القدر وليس من ملاذ سوى الفكاهة لمحاربة هذه الآثار السلبية.
ونقلا عن مقال عادل حبه المنشور في بوابتي مفكر حر، والكاردينيا، ننقل مما ترجمه من بعض المفاهيم التي عرفها الزاكاني في كتاب “رسائل التعريفات” بأسلوب بديع وبجمل شعرية، وهو أسبق من انتبه لمثل هذا الاسلوب :
– الدنيا مكان لا يرى اي مخلوق الراحة فيه.
– العاقل هو الشخص الذي لا علاقة له بهذه الدنيا.
– الوهاب هو الانسان الفقير، والبخيل هو صاحب المال.
– الناصح هو من لا يعمل بما يقول.
– القسم، مرق الكذابين.
– بلا طعم، المجاملة الزائدة.
– الندى، دموع الليل.
– العين، بوابة القلب.
– الأمل، رأس مال الفقير.
– الأحلام، وسيلة ترفيه البؤساء.
ومن حكمه وطرائفه وحكاياته، ننقل للقارئ ما هو مشهور منها وما وقع بأيدينا :
1-
قال أحد خطباء المنبر : “إن من كتب اسمي آدم وحواء في بيته لن يدخل الشيطان إلى هذا البيت مطلقا.” فقام رجل وقال : “يا مولانا إن الشيطان ذهب إليهم وهم في الجنة بقرب الله وخدعهم،فكيف يتجنب عند ذكر أسمائهم في بيوتنا.”
2-
أحضر رجل ادعى النبوة إلى الخليفة المعتصم، فقال له المعتصم : “أشهد أنك نبي أحمق.”
فقال الرجل : بلى، لأنني بعثت إلى قومك، وكل نبي من نوع قومه.
3-
سألوا الشيطان أي طائفة من الناس تحب؟ قال : السماسرة. قالوا : لماذا؟ قال : وإن كنت مسرورًا بهم لبراعة الكذب. لكنهم يضيفون يمينا كاذبا.
4-
كان درويش فقير مع ولده يقفون على قارعة الطريق فمرت من أمامهم جنازة، سأل الصبي : ما هذا الذي في الصندوق؟ فقال له : يا بني انه نعش رجل فارق الحياة. فقال الصبي : وإلى أين يذهبون به؟ فقال : إلى دار ليس فيها ما يؤكل، ولا ما يكسى، حيث لا خبز ولا نار.
ولا حطب ولا حصائر ولا بساط.
فقال الصبي : يا للهول انهم يأخذونه إلى بيتنا.
5-
قالوا لجندي لماذا لا تذهب للحرب؟ قال : أقسم بالله أني لا أعرف أحداً من الأعداء وهم أيضا لا يعرفونني فكيف تنشأ بيننا عداوة.
6-
قيل لعبيد الزاكاني : كيف ترى دين الإسلام؟ فقال : إنه دين عجيب غريب، عندما تدخله يقطعون رأس قضيبك، وعندما ترتد عنه يقطعون رأسك.
7-
ومن نصائح الزاكاني للشباب : اعتبر العزوبة مصدر السعادة ومبدأ الحياة!
8-
سرقت حقيبة لرجل، فقيل له : اقرأ سورة ياسين حتى يعيد سارقها لك المال. فقال الرجل : كان القرآن كله في الحقيبة.
9-
قالوا لرجل عربي يأكل بأصابعه الخمس : لماذا تأكل هكذا؟ قال : إذا أكلت بثلاث ستغضب أصابعي الأخرى.
10-
قيل لرجل صوفي: لم لا تبيع عباءتك؟ قال : إذا باع الصياد شبكته فماذا يصطاد.
11-
مات كلب أحد الرعاة، ولأن صاحبه كان يحبه كثيراً، فقد دفنه في أحدى مقابر المسلمين. وصل الخبر إلى قاضي المدينة وتم استدعاؤه وأصدر أمرا بحرقه. وعندما تم القبض عليه وتقديمه إلى القاضي. قال : سيدي، لقد ترك هذا الكلب وصية أريد أن اقولها أمامك حتى لا يتبقى علي شيء. سأل القاضي : وما هي الوصية؟ قال الرجل : إنه عندما كان الكلب يحتضر، أشرت إليه أن كل هذه الأغنام لك فمن يجب أن أعطيهم، وأشار الكلب إلى منزلك كقاضي المدينة. الآن قطيع الغنم جاهزة وهي تحت تصرفك. قال القاضي بعاطفة وندم : قلي ما كان سبب وفاة الكلب؟ ألم يترك وصية لشيء آخر؟ أبلغنا إن كانت له وصايا أخرى وصلى الله وبارك.
12-
وجدوا أن أحد اللصوص يسرق الشاة، ويتبرع ببعض لحومها. سئل : ماذا يعني فعل هذا؟ قال : أجر الصدقة يساوي إثم السرقة، ويزيد لي في وسط شحمها ولحمها.
13-
ذهب شخص فقير إلى دار الدولة يطلب نقوداً، قالوا له : هل لديك شاهد أو كفيل؟ قال : بلى، الله. قالوا : إن القاضي لا يعرفه، قدم أحدا آخر.
14-
ادعى شخص ما أنه إله. فأمر الخليفة باعتقاله، فاحضروه إلى الخليفة فقال له الخليفة : ألم تعلم أنه في العام الماضي ادعى شخص ما أنه نبي، فقتلناه؟ قال : حسنا فعلت فأنا لم أرسله.
15-
قيل أنه كان هناك شخصا يشبه الملك شبها كبيرا، فلما علم الملك، امر بإحضاره، ثم سأله باستهزاء : كيف كان هذا التشابه الشديد، بيني وبينك هل كانت امك خادمة في قصر أبي؟ أجاب الرجل بفخر : كلا، يا مولاي، لقد كان والدي بستاني في قصر أمك!
16-
سألوا السلطان : ماذا تأكل؟ قال : لحم الأمة. ماذا تشرب؟ قال دم الأمة. ماذا ترتدي؟ قال : جلد الأمة. قالوا : من أين لك هذا؟ قال : بسبب جهل الأمة.