نصوص

عودةُ المَلاك إلى القدس.. بقلم: المتوكل طه

عودةُ المَلاك إلى القدس

يا ابنَ السماء! نحن أهلُكَ وبنو أبيك

بقلم: المتوكل طه

وفجأة !

رأى نفسَه يهبطُ عالياً إلى أمِّ المدائن، ونافذةِ الدنيا إلى السماء!

رأى أنه يعرجُ إلى القدس، أو إلى زهرةِ العالَم الزجاجيّة، وشمعتِه البابليّة.

القدسُ أمُّ النايات والشجن،

وأمُّ الهتاف المذبوح،

وأمُّ البداية التي تبدأ ولا تنتهي،

وأمُّ الصغير الذي يعبّئ الشمسَ في يده ويطبق عليها،

ورحْمُ الأغاني الصعبة التي تصيبُ الحديدَ بالقشعريرة،

وسيّدةُ الأعراس،والمناديل،والنداءات البعيدة.

***

من أين جاءت أضواؤهُ، وكيف حَطَّت على أوراقي البيضاء؟

ربما عاد الملاكُ المخبّأ في السحاب أو من وراء المجرَّات، وسَكَبَها أمامي، ليخبرني أنه حاضرٌ، ولا ينبغي البكاء عليه!

الملاكُ الذي ترك يدَ أمّه ذات نهار، ولحق بفراشةٍ كانت تطير حول زهرةٍ وحشيّة، فهربت الفراشةُ، فتبعها الملاكُ الصغير، ونبتت أجنحتُه، فلاحقها.. ولهذا؛ لم تعثر عليه أمّهُ ،وما زال يلاحق الفراشةَ المخاتلة.

بكت الأمُّ، وذرفت دموعها، فتجمّدت حباتُ الماس، وصار الجَوهرُ الشفافُ الأثمنَ على الأرض.

إنه كريستال الألم، هذا المُشعّ على نحور النساء اللواتي أثقلهنّ دمُ التراب، بدل أن يضعن الأجنحةَ ويذهبن إلى عين الشمس، فأصابتهن البرودة، وصار البياض شمعاً يتشقّق كلّما مرّت الأيام وعبرت السنون، وانطفأ فتيل الشغف في الصدور.

لقد رأى الملاكُ النساءَ في بيوتِ الصمتِ والجَمالِ الفقير، وغيابِ الطيور عن الشرفات.

لعل الملاكَ كان يحلمُ بأرضٍ أكثر دفئاً وحرّية، كما كان يصبو لعالم يرى فيه الصبايا يخلقن أجنحتهن بعزيمتهنّ، وتخرج النجومُ من بين أصابعهنّ! وتطيرُ فيه الفراشات من الجدائل إلى حدائق الشهداء والمتاريس المشتلعة.

وانتبه الملاكُ، فوجد فلسطينَ أرضاً تأخد شكل الخنجر الملكيّ!على ساحلٍ طويل كغناء الأمّهات.

ورأى العملاقَ يمدّ يدَه في البحر، فيمسك بالحوت ويرفعه إلى عين الشمس ليشويه، ثم يطعم صغاره!

وسمع زفّةَ البلاد الرّانخة بأعراف الخيول المليئة بالعسل! ورأى ملء عينه ثوبَ الأرجوانة المزدحم بانفجار الربيع وعروق الشقائق وسنابل الوعد!

وهبّت عليه عواصفُ اليد المكوّرة ، التي تدقّ الأسداف، فتفتح نافذةً في العتمات!

وترنّقت السماءُ ببخار الدخان المخبوز قمحاً وجمراً ريّاناً.

وها هو الملاك يئزّ بجناحيه، ويطلّ بثلج فضّته الساطعة من وراء الكواكب، مُجنّحاً نحو الأرض المباركة! فاهتفوا بصوت واحد مرحّبين به: أهلا بك في قلوبنا، وادخل علينا كما تشاء يا ابن السماء ! فنحن، منذ أن جفّفت حواءُ مشيمتَها على حَجرٍ في يافا، نحن أهلك وبنو أبيك.

فارجع، كما أنتَ خالصاً للحياة.

ملاحظة؛

سيصل الملاكُ قريباً إلى فضاء القباب،على ضفّة ليلةِ القدْرِ، وأكتافِ يوم الأرض الموعود، في القدس.

ومَن يرى أمَّ الملاك، عليه أن يخبر أُمَّه بعودته إلى بيته.

ومَن يرى الفَراشَة فليسَلّم عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى