نصوص

غزّة.. قاوِم إلى أن تقوم القيامة

غزّة!
قاوِم إلى أن تقوم القيامة

المتوكل طه

*
1
قاوِمْ وقاوِمْ
فأنتَ نهايةُ هذا المطاف.
وقاومْ بأسماءِ ربِّ القتال
وما في يديك من العاديات..
وقُلْ : إنَّ هذا كتابي،
وأوّلهُ ليس إلاّ فلسطين
ليس التفاوض والاعترافْ.
وقاوِمْ بأكفان مَن رنخوا
في قماط الرّضاعةِ تحت اللّحاف.
وقاوِم بمَن مُسِحوا من سِجلّ الحياة،
ولم يبقَ فيهم صغيرٌ يخاف.
وقاوم بأغنيةِ الأرضِ والنارِ..
قاومْ إلى أن تجيءَ الملائكُ
صفّاً فَصفّا،
إلى الشجاعيةِ،
قاومْ لوردةِ نورٍ هناك
على جُثَّةٍ في عراءِ خُزاعة،
وقاومْ ليصمتَ زيفُ الكلامِ
وتخرسَ أوداجُ بوقِ الإذاعة،
وقاوِمْ ليسقطَ عن وَجْهِ مَن نافقَ القاتلينَ .. قِناعه،
وقاوِمْ وقاومْ، فما النَصرُ إلا
بإطلاق كلِّ الصواريخ طُرّاً
أو الصبرُ عاماً وشهراً وساعة،
وقاوم لكسرِ قبابِ الحديد،
لتزرعَ بالرُّعبِ كلَّ الفياف.
وما من سماحٍ
وما من شفاعة..
وقاومْ بحقّ الظلام الثقيل
وقتْلِ القتيل
ومحرقةِ الرَّدم فوق الطّواف.
وقاومْ إلى أن تُتَمّمَ حيفا
مراسمَ أعراسها.. للزفاف.
وقاومْ إلى أن يعود اللجوءُ
إلى الأُرجوان وزهرِ الضِّفاف.
وقاوم إلى أن تقوم القيامة ..
فافتحْ جهنمَ طولاً وعرضاً،
وضَعْ قلمَ القوْلِ..
فاوِضْ.. ولكنْ بهذا الجحيمِ..
وقُلْ جَفَّ حِبْري وما مِن صِحافْ..
ولا مَن يخافُ،
ولا مَن يخاف.

2

سلامٌ على أرض غزَّةَ
في الأوّلين وفي الآخرين.
سلامٌ على ناسِها الطيّبين؛
شهيداً، جريحاً،، وطفلاً
وشيخاً.. وسيّدةً لا تلين..
وتُشْعِل ليلَ البلادِ الحزين.
سلامٌ على مَنْ تقيَّدَ حُرّاً
وراء الزنازن، خلف السنين.
سلامٌ على ماء قانا وصبرا
على ما تبعثر سطراً فَسَطْرا
على خيمةٍ في عراء الطحين.
سلامٌ على دالياتِ الصّفيح
ودّفْقِ الجريحِ
يشقُّ الدّروبَ إلى العائدين.
سلامٌ على موقدٍ لا ينامُ،
وأُغنيةٍ في الظلام
تخبّئُ سِرَّ الزمان الدفين.
سلام على قهوةٍ مُرَّةٍ
في عزاءٍ نُشرِّعُهُ منُذُ قَرنٍ..
ولمّا نَقُلْ للجنازاتِ يكفي!
فقد مُلئَ الطينُ بالصّاعدين.
سلامٌ على كلّ حَيٍّ ودارٍ
ومدرسةٍ في الغبارِ،
على كُلِّ هذا المدى والحصارِ،
سلامٌ على جامعٍ هَدَّموهُ
ومَيْتٍ من القصْفِ قد أيقظوهُ
وسقْفٍ على أهلهِ ردَّ موهُ
وألفِ رضيعٍ إذا لفّعوهُ،
وصاروخِ مجدٍ إذا أرجعوهُ
يعودُ أُلوفاً على الخائفين.
سلامٌ على نورسٍ من حديدٍ
يُؤَوِّبُ فوق السواحل حتى
يدبَّ على مخبأ الغاصبين.
سلامٌ على القدسِ تعلو وتبقى ..
فإن قصفوا رَفَحاً في المساء..
صباحاً، ترى روحَها في جِنين.
سلامٌ على غزة الله..
فيها المماتُ وفيها الحياةُ
وفيها سنحشرُهُم أجمعين.

3
ماذا تنظرُ !
لمزيدٍ من جُثثٍ
يحملها الناسُ على الأكتاف ؟
ماذا تنظرُ !
لشهيدٍ آخرَ مجهولَ الأوصاف ؟
ماذا تنظرُ
لجريحٍ إثْرَ جريحٍ
يسكبُ خلفَ عجاجِ الرّملِ شرايينَ الأعطاف !
وماذا ستُحقّقُ من هذا المَشهدِ
ستحرّرُ غزّةَ من طوْقِ العُزلةِ ،
أو تفتحُ كلَّ شبابيكِ الكونِ عليها !
هل كانَ الموتُ المجّانيُّ سبيلَ المشتاقين إليها ؟
وكيف تلوّث أشجارَ الغيمِ على كفّيها ؟
*
لم ألْقَ سوى النارِ
لأُحرقَ هذا الغولَ الباعثَ ألف جحيمٍ
في عينيها !
هل أطفأ أحدٌ منكم لهباً يمشي في ثدييها ؟
فماتَ الرُّضَّعُ بين يديها !
هل أوقفَ أحدٌ قصْفَ ثلاثِ حروبٍ
زلزلتِ الرَّحْمَ
وحرَّقَتِ الرّوحَ
وسوَّدَتِ الأرجاء ؟
هل حطّمَ أحدٌ ليلَ القبرِ
وشَرَّعَ بابَ القبوِ
وأرجَعَ صاعقةَ الأنواء ؟
أجيبوا !
لا نبغي غيرَ فضاءِ الطيرِ
وخبزٍ أو ماءٍ وهواء ..
ونُقَبِّلُ هاماتِ الشهداء !
*
هذي الأرضَ يُحرّرها الميزانُ العادِلْ ؛
الطَلقةُ بالطلقةِ والثاكلُ بالثاكل ..
والصّاعِدُ فينا ليس قتيلاً، لكنّ الآخَرَ قاتِلْ .
والسائلُ إنْ أنْكَرَ ذاهِلْ .
فلماذا لا نذهبُ باللحمِ المدبوغِ .. إلى الأسلاك ؟!
وذاكَ هلاك !
لكنّ المقتولَ، وإن ماتَ ، فقد دقَّ التابوتَ !
ويكفي أنْ قامَ شهيداً..
وعلى الأسلاكِ صُراخُ الحَنّونِ الشاهدْ .
والقائدُ ليس بقائد!
يا شعبي في غزّةَ هاشمْ !
اخرُجْ كالطوفانِ المارِدْ
يا مَن علّمتَ الدنيا كيف تُقاوِمْ .
..إنّا ننتظرُ القادِمْ
إنّا ننتظرُ القادِم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى