ثقافة

في أزقّة الوجود

في أزقّة الوجود

ماري نادر ميا – باحثة في الفلسفة 

أريد أن أكتب، فكرت ما الذي سأكتبه؟ كان صمتهم يثير شهيتي للكتابة، لكن ما الذي سأكتبه؟ كانت جلستي الأخيرة لأنهي تكليفي، أتابعهم وأفكر ما الذي سأكتبه؟ هل من الضروري التفكير بعبثية الحياة؟! ماجدوى الحياة! فعلاً لست متشائمة، كيف أتشائم وأنا من يرسم الحياة؟! كيف أحبط وأنا مقتنعة أنني خلقت لأكون، لم عليَّ التفكير بالغد؟ وماسيكون؟! لم أبحث اليوم عن الغد، اليوم هو اليوم، لم عليّ صنع الغد المثالي، لم أبحث يوماً عن المثالية كما بحثت عن السعادة، هل المثالية شيء آخر غير السعادة الأخلاقية، يأتيني صوت أحدهم من الماضي إنها من أنصار الحركة النسوية، فأدهش ويجيب عقلي بعفوية لا لست من أنصار النسوية، أنا وبكل فخر من أنصار الإنسان والإنسانية، وأعود لأفكر مالي وقيمكم المثالية، ما لي وتمثيلكم أدوار المسرحية.

هل من الممكن أن تكفا عن الكلام هذه المادة تحتاج تركيز، كلمات تلك الطالبة أنهت حوارنا، كانت محاورتي من طلاب الدراسات العليا في قسم الجغرافيا، شدهت عندما علمت أني أعد رسالة في السياسة، فقالت قسمكم لديه كل شيء، شعرت بشي يجبرني على قول فعلاً لدينا كل شيء إلا أشياء..

حدثتني عن اختصاص جديد يدعى الجغرافيا الطبية وكيف استطاع أحدهم أن يثنيها عنه وكان السبب ندرته، نالني الاستغراب هل هناك أجمل من الخوض في المجهول! رحلة تحمل في طياتها اللا متوقع، وبصوت تلك الطالبة أنهينا حديثنا وذهبت تسير بين الزمر، وأنا عدت إلى تساؤلي ما الذي سأكتبه، كنت أفكر هل المنطق أمر مهم؟! وهل الجغرافيا أو التاريخ أو أي علم آخر مهم؟! ولم لا يكون مهما أيضاً؟! ولم هؤلاء يأتون قبائل ليخوضوا إختبارات نمطية وشكلية، أغلبهم مدرك لفشله قبل تجسده واقعياً، ليس لأنهم فشله بل لأنهم لا يأبهون، ومنهم من دخل ليدرس فرعاً ليس محبوباً لديه، لكن عليه أن يُرضي العائلة والأقارب والجيران بالمختصر أن يرضي المجتمع، فعدت لذلك السؤال عن جدوى الحياة وعبثيتها؟! عن الغد الذي نرغب به والذي نطلق عليه المستقبل، السؤال أين المستقبل ومتى وممن يأتي ولمن يذهب؟

هل فعلاً المستقبل في فترة العشرين؟! لا أعتقد أبدا ذلك المستقبل هو حضور الفرصة وماعدا ذلك يبقى مجرد أيام تحمل معها خيارات متاحة للأغلبية العظمى، غالباً المستقبل في ذلك المدى البعيد، من الممكن قدومه ممن نحت الصخور لوضع ماصدقات طموحه وأحلامه على الواقع، إذا يأتي في بعض الأوقات من الداخل، وفي أوقات أخرى يأتي من الخارج.

آه لماذا نفكر بالمستقبل؟! أنا الآن أنا وسأفكر بأنا، سأفكر بذلك الحادث الذي نجا منه طفل، ذلك الفراق في الحب الذي رسخ صدق مفهوم الصداقة، ذلك الرسوب الذي أخفى خلفه فرصة لقاء مع فتاة أحلامه، في كل بؤس بريق أمل لكننا نتجاهله باستمرار، نحن نتقن فن البؤس، حبذا لو أتقنا فن المقاومة، حتى في النار دفء وإنارة، ودائما أقول في سلامي لأي شخص ما الشيء الجميل الذي حدث لك اليوم عليّ أنبه عقله لوجود أمل في كل بؤس، وجمال في كل قبح، والآن لماذا نعيش؟

باختصار نقول لنكون سعداء أخلاقيين.

بقيت تلك الطالبة التي طلبت الهدوء حتى الثواني الأخيرة، أخرتني عن عملي لكن هذا حقها. أنهيت كل مايجب فعله، تناولت المصنف وجسدي وأفكاري وانطلقت إلى مجلس الكلية كنت أراقب كل شيء، لحظات الحب بين الشباب والصبايا، فكنت كلما رأيتهم ابتسمت كم نحن سذج ننشد الحب ونصوغ له أجمل الأشياء، متناسين أن الحب بذاته مرحلة ستنتهي بأشكال شتى، وهناك مجموعات الشباب وصداقتهم وصداقة الصبايا، الإداريين، الهاربين من كلياتهم الى كلية الآداب فهي تملك سمعة غير جيدة عن الحب، رأيت إحداهن من عالمي، وكانت مصرّة أني لست على مايرام، لم ينلني الاستغراب كنت جدا متفهمة لاستفسارها، أنا يا عزيزتي لست محبطة ولا متشائمة أنا سعيدة ومتصالحة مع نفسي، لا ألعب الأدوار، لي دور واحد هو دور البطولة. لأني تركت لكم أدوار الكومبارس، وتفرغت لبطولتي المعتادة، أنا سعيدة من الأعماق، ولا أرسم سعادة واهية لأقول للناس انظروا أنا سعيدة، بصدق أنا سعيدة ولا أخاف شماتة الآخرين، وفي غالب الأحيان لا أراهم، أرى فقط أصحاب العقل والأخلاق والقلب النقي، أنا أنحت أنا، لم أسر عبر الركام، ولا متعالية بنرجسية فوق الركام، كنت مع الركام أسير، متناسية الأمس، متجاهلة الغد، مغادرة اللحظة، لم يقبع في ذهني إلا نرجسية واحدة أمارسها بتواضع رصين، كيف أبدع بنحت أناي.

والآن ما الذي سأكتبه؟ لم يحل اللغز بعد ما الذي سأكتبه؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى