في ذكرى النكسة، إلى أين تشير بوصلة الشتات

في ذكرى النكسة، إلى أين تشير بوصلة الشتات
خاص اليمامة الجديدة- صفاء حميد
بعد خمس وخمسين سنة من النكسة في أي اتجاه تحركنا؟
حين حمل الفلسطيني ما خف وزنه وارتفع ثمنه قبل خمس وخمسين سنة، بينما يغادر الأرض التي ولد وكبر فيها إلى أي اتجاه سمحت فيه كياسة اللحظة المتفجرة لم يكن ثمة في وعيه الباطن أي احتمال بأنّ الاتجاهات ستتغير وتتحور وتتحول بعد سنوات.
ففي أيّ اتجاه يقبع فلسطينيو الشتات اليوم؟
في الحقيقة لم تأخذ مسألة التأقلم مع المحيط الجديد وقتًا طويلاً من الفلسطينيين المهجرين ويمكن أن أنحاز هنا إلى الإنسان الفلسطيني الذي وعى أسرع من الآخرين أهمية امتلاك العلم، فكانت الشهادات سلاحه في فترة نشأة للدول العربية الحديثة، فصار المطلب على العنصر البشري الفلسطيني كبيرًا خصوصاً في قطاع التعليم.
وسرعان ما صار تأقلمه مع محيطه حقيقة واقعة وتامّة فبدأ بالخروج من حيّز المخيمات إلى فضاءات المدن الكبيرة، بمقدار ما سمحت له الدول المضيفة، وبدأ يرتفع في المناصب والمقامات، وظلّ في كل هذا عرضة لسؤال الهوية والانتماء.
لو كان لنا النظر في مسألة النزوح الفلسطيني بنظرة غير رومانسية لقلنا إن هذا الشعب كان بإمكانه أن يمضي إلى القمر فيجعل منه مكاناً صالحاً للعيش دون أن ينظر وراءه مرة واحدة.
لكن النظرة غير الرومانسية لا تجدي نفعاً هنا، فالفلسطيني النازل لا يزال حتى اللحظة يقسم نظره بالتساوي بين ما وراءه وما أمامه، في كل نظرة منه نحو المستقبل، تحين منه التفاتة نحو الماضي، نحو الجذور، وحتى و الحال أنه بعد هذه السنوات وبدء اختفاء جيل النكسة الأول، فإن أبناء هؤلاء النازحين لا يزالون يحتالون على واقعهم وهوياتهم المؤقتة، برغبة مفرطة في الشغف والأمل إلى فردوسهم المفقود.
فالذي لا يعرف جنين إلا على الخارطة يمكنه أن يصفها لك وصفاً دقيقاً، والذي يسمع بالخليل في نشرات الأخبار، يمكنه أن يخبرك كيف تطلع شمس الخليل وكيف تغرب.
وربما تجد طفلاً في العاشرة يذكر لك انه فلسطينيّ، ولو سألته ماذا يعني لك كونك فلسطيني؟
سيرفع كتفيه لأن سؤالك يحاول اختراق أمر بديهي بالنسبة إليه.
لكن وبعيداً عن العاطفة، إلى أين تشير البوصلة العملية لفلسطينيي الشتات اليوم؟
هل بدأت تضرب في الارض جذور جديدة، هل بدأ العمل والحب والخوف يتجهان لغير فلسطين، هل بدأت الهوية تصير وساماً فخرياً لا واجباً عملياً يومياً يجب على الفلسطيني حمله أينما ذهب.
وفي كل هذا هل صارت القضية إطاراً او لا تزال هي ما داخل الإطار؟
هل يحضر المسجد الاقصى في شاشات تلفزة الفلسطيني كضرورة وجودية أم كخبر عاجل بين كومة أخبار عاجلة؟
وهل لا تزال حكاية اليهود والفلسطينيين هي الحكاية الأولى التي ترويها الأمهات لأبنائهنّ؟