مقالات

في عيد الأم.. شفيق التلولي يكتب: إلى أمهاتنا الراحلات والباقيات

إلى أمهاتنا الراحلات والباقيات

بقلم: شفيق التلولي/ أديب فلسطيني 

في احتفالات عيد الأم كنا نصطف أمام إذاعة المدرسة طوابير حيث يعتلي مدير المدرسة ومن خلفه المدرسين منصة الباحة يتلو علينا من خلال الإذاعة المدرسية مناقب الأم ومكانتها الكبيرة في قلوبنا، من ثم نستمع للأناشيد الخاصة بهذا اليوم الأغر، ونستمتع ببعض القصص والمسرحيات التي يقدمها التلاميذ ببراءة الطفولة وبراعتها وصدقها، كانت تحمل مآثر الأم وعظمتها في حلة باهية بالرغم من بساطتها، ثم نعود أدراجنا إلى بيوتنا قبل أن نصل نشتري الهدايا الرمزية لأمهاتنا مما جمعنا من مصروفنا اليومي في حصالاتنا الخاصة.

كانت الأيام جميلة وألوانها كشاشات التلفاز الأبيض والأسود التي سبقت عهد طفولتنا بقليل، بل ربما واكبناها حينا، كنا نستمتع ونحن نجتمع في أحد الأماكن التي كان فيها أجهزة تلفاز قديمة محدبة وصغيرة الحجم لنرى الفنانة فايزة أحمد تغني رائعتها (ست الحبايب يا حبيبة).

أما اليوم فقد كبرنا وتعقدت دروب الحياة وأعملت بنا ما أعملت، وخبا بريق إيقاع هذه اللوحة الرائعة، إذ كانت أمهاتنا اللائي رحلن أنيسات حياتنا، أما الباقيات فما أحببنا يوما أن نرى دموعهن تنهمر على فلذات أكبادهن وقد أكلهم الموت في ربيع أعمارهم، ليتنا بقينا صغارا كي لا تأكلنا الحسرة على أمهاتنا الراحلات ولا على الباقيات اللواتي يعانين الأمرين في بلادنا حيث يعصف بها العنف والقتل والترهيب والترويع من كل صوب وحدب، ونحن عاجزون أن نعيد اعتبارهن، لا الحروف تبرئ وجعهن، ولا العويل والبكاء والنحيب من شيمنا، فإما أن ننتصر ونثأر لهن أو يلتقمنا الحوت في بحر الضياع، فلا لبن غزالة أروع من لبن الأم وما من شجرة يقطين تشفينا غير لباها .

ليتنا متنا صغارا على وقع سيمفونية اللحن الجميل لأمهاتنا قبل أن يرحلن، وقبل أن نرى دموع الباقيات منهن، فقد تحطمت المرايا وتكسرت أحلامنا وتوسدنا دموع الألم وافترشنا حصير الأيام المثقوبة.

طوبى لأمهاتنا الراحلات وطيب للباقيات الماجدات وهن يعضن على النواجذ ويتقلدن تعويذة الخلاص ويعتمرن وشاح الانعتاق.

في عيد الأم الأول لرحيل أمي

الكاتب شفيق التلولي

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى