ثقافة

عثمان حسين وتجسيد قصيدة النثر في ديوان حارس الضحية.. بقلم: ناهض زقوت

الشاعر عثمان حسين في “ديوان حارس الضحية”

بقلم: ناهـض زقـوت/ كاتب وناقد

منذ سنوات تتجاوز ما قبل عهد السلطة الفلسطينية كان تعارفنا على صفحات مجلة عشتار، المجلة الأدبية الأهم، وقد تكون الوحيدة آنذاك في قطاع غزة، والتي أنشاها الشاعر عثمان حسين، وصدر عددها الأول في مايو 1993، وتولى رئاسة تحريرها، وكانت المجلة المدافعة والناشرة لقصيدة النثر، وقادت المجلة مع مجموعة من الشباب معركة تثبيت حضور قصيدة النثر شكلاً أدبياً في المشهد الثقافي الفلسطيني.
وقد كنت أحد الذين قاموا بالكتابة فيها، والكتابة عن شعرائها في دراستي (دلالات السرد في قصيدة النثر) ونشرت في كتابي “ثيمات السرد: مقاربات نقدية في نصوص أدبية فلسطينية”. كتبت عن الشاعر عثمان حسين قائلاً: “منذ أن تفتحت بداياته الشعرية رسخ نموذج قصيدة النثر كمنطلق شعري يعبر به عن ذاته، وليصدم مجتمعه برؤية جديدة بعيداً عن السائد والمألوف، فشكل تمرده الذاتي دون أن يبتعد عن هموم مجتمعه. وقد خلق جمالياته الشعرية في قصائد نثرية توسل في بعضها السرد كتقنية فنية وجمالية ليعبر بها عن ذاته وعن الواقع المحيط به.
ففي ديوان “من سيقطع رأس البحر”، (الصادر عام 1996) يهيمن ضمير الأنا المتكلم كتقنية سردية على معظم القصائد، وهذا الضمير يعبر عن الذاتية ويوحي للقارئ بأن الشاعر يحكي سيرته وتفاصيل حياته وتجاربه، ويمنحنا ضمير المتكلم دلالة مزدوجة على الفعل والحركة. ومثال على ذلك قصيدتي: “لم يعد في القلب متسع”، و”رأيته جميلاً”. كما تجلى ضمير المخاطب في قصيدة “أمنية”، كتقنية سردية. وهي قصائد سردية تأخذ منحى القصة الوصفية التي تعتمد على وصف المكان ورسم تفاصيل الأشياء.
وفي ديوانه “الأشياء متروكة إلى الزرقة” (الصادر عام 2004)، تحفل قصائد الديوان النثرية بالعديد من تقنيات السرد، ويهيمن عليها ضمير المخاطب، فنجد: الرؤية الاستباقية، والحوار في قصيدة “دعاء الاقتحام”. ويستعرض يوميات ومواد إخبارية في قصائد: “مخيم بلوك 5 فجر 11 تموز 2001″، حيث يسرد يوم في حياة المخيم في ظل الاحتلال. وقصيدة “الهزيمة”، و”دعاء السماء”، و”دعاء الرحمة”، و”دعاء الفجر”. ويورد قصة قصيرة كاملة بتقنياتها السردية في قصيدة “جدارية”، نقرأ من القصيدة: “كانوا عائدين مساء إلى بيوتهم، مثقلين بحقائبهم المشبوحة خلف ظهورهم الطرية، وكانوا أيضا أغصانا طرية تحلقت راسمة نصف دائرة على الرصيف المحاذي لجدار مدرسة خولة الابتدائية المطل على شارع البحر، أما النصف الأخر يبدو في هيكل دبابة إسرائيلية مرسوما على الجدار محاطا بشعارات وطنية/ معادية”.
وفي ديوان “له أنت” (الصادر عام 2000) تنزاح القصائد ما بين ضمير المتكلم، والوصف، والسيرة الذاتية، وهي تقنيات سردية. ففي قصيدة “في غزة” يأتي ضمير الأنا ليروي حكاية غزة بكل همومها وتفاصيلها، راسما معالم المكان وتفاصيل الأشياء. وفي قصيدة “انتظر المفاجأة منذ وقت بعيد”، يعتمد على تقنية الوصف ورسم تفاصيل المكان. ونلمس ملامح من السيرة الذاتية في قصائد: “ضدان”، و”صباح الخير”، “طاحونة جائعة”. فنجد ضمير المتكلم، والمنولوج الداخلي، ووصف الأماكن، وتحديد مكان الحركة والأحداث.
الشاعر عثمان حسين كاتب وشاعر فلسطيني يقيم في رفح بقطاع غزة، عمل في عدة صحف عربية خليجية، أسس مجلة عشتار الأدبية، وهو مؤسس ورئيس جمعية عشتار للثقافة والفنون، شغل منصب رئيس القسم الثقافي في صحيفة الوحدة الظبيانية في الإمارات، وكذلك سكرتير اتحاد الكتاب الفلسطينيين، كما شغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة بيسان للإعلام، وهو عضو مؤسس في جمعية الفينيق الثقافية، ويشغل حاليا منصب مدير دائرة الثقافة في مركز التخطيط الفلسطيني. أصدر الشاعر “رفح أبجدية مسافة وذاكرة” بالاشتراك مع خالد جمعة (1992)، و”البحار يعتذر عن الغرق” (1993)، و”من سيقطع رأس البحر” (1996)، و”له أنت” (2000)، و”الأشياء المتروكة إلى الزرقة” (2004)، و”كأني أدحرج المجرات”.
أثناء وجودي في القاهرة لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب، التقيت بالشاعر عثمان حسين على قهوة البستان في وسط القاهرة (وهي قهوة مخصصة للكتاب والأدباء) بصحبة مجموعة من كتاب وأدباء فلسطينيين تواجدوا في القاهرة آنذاك. وهنا أهداني مجموعته الشعرية الجديدة “حارس الضحية” الصادرة عن دار الكلمة للنشر والتوزيع في غزة سنة2023، وصمم غلافها الفنان باسل المقوسي، جاءت المجموعة في 149 صفحة من القطع المتوسط، واحتوت على 119 نصاً قصيراً لا يتجاوز الصفحة الواحدة.
حارس الضحية عنوان المجموعة منفصل تماماً عن النصوص، فليس ثمة نص في المجموعة يحمل هذا العنوان، بل ثمة اشارة ذاتية توضح دلالات العنوان في قصيدة (متاهة) حيث يقول الشاعر في ختامها: “أنا حارس الضحية”، وتلك الضحية هي غزة التي تعيش المتاهة. وتبقى غزة ثيمة الشاعر المهيمنة على بنية النص، فنجد المتاهة تعلق صبرها في عنق غزة الرشيدة، والذات العاجزة تلعن ابليس في صحن الدار، لأنها لا تملك شيئا يصلح أن تعطيه، حتى الوطن لا يصلح أن يعطى. هذا الوطن المسيج بزنزانة بطول البلاد وعرضها يبتلع ظل سكانه في زنازين مليئة بالأوجاع والعذابات المتباينة، الكل يختار زنزانته/ بيته لكي يبث فيه ثرثرته دون حلم بالمستقبل.
غزة: 26/3/2023

زر الذهاب إلى الأعلى