ثقافة

قراءة في رواية “الصامت” للروائي شفيق التلولي: محمد نصار

قراءة في رواية “الصامت” للروائي شفيق التلولي: محمد نصار

بقلم: محمد نصّار/ أديب فلسطيني

الصامت رواية صدرت حديثا للكاتب شفيق التلولي ، تربط بين زمانين متباعدين، أحدهم يعبر عن واقع الحال الذي نعيش والآخر يرجع قرابة قرنين من الزمان إلى الوراء، متتبعا سيرة “الصامت أو المنسي” إن شئت، المنسي الذي كان مركز الحكاية وحامل لوائها، فعبر دروب الحكاية الشائكة وسراديب الأسطورة المنبعثة من عمق التاريخ، نسج التلولي خيوط حكايته، مستعينا تارة بحكايا جدته وما كانت ترويه في طفولته واختزنته الذاكرة وتارة بما كان يرى في منامه من أحلام وتهويمات، يظهر فيها الصامت موجها سير الحكاية إلى الدرب الذي يريد، ثم عبر تلك الباحثة “داليا”، المتخصصة في علم المخطوطات والتي تواصلت معه من أجل إكمال رسالتها الدراسية، التي تعدها عن سيرة عائلة يعود نسبها لأحد أولياء الله الصالحين.

بهذه الخلطة السحرية بدأت رحلة الكتابة، التي تداخلت خيوطها وتقاطعت في أكثر من موضع، معطية الكاتب فرصة التحليق في آفاق رحبة وعوالم متباعدة، مكنته من القفز عن إشكالية الزمان والمكان في عمل تعددت فيه الأزمنة والأمكنة على نحو كبير وربما مربك أحيانا، حتى أن القارئ قد تتداخل عليه تلك الأشياء وتتشابه، مما يضطره إلى قراءة العمل أكثر من مرة، لكي يقف على حقيقتها ويظل ممسكا بخيط السرد الذي يتعرج ويلتوي في أكثر من موضع.

فالرواية تبدأ بذلك الطفل المتعلق بجدته التي تبادله ذات الشعور، حتى أنها ترافقه إلى المدرسة وتنتظره إلى آخر الدوام، ثم تعود به إلى البيت، لتبدأ معه فصلا آخر من فصول سيرتها التي اعتادت أن ترويها على مسامعه كل مساء، عن حياتها في البلدة قبل الهجرة.. عن مخطوطة أودعها جده المنسي لدى أخيه وأوصاه أن يحافظ عليها.. عن مرقد جده الأكبر “الصامت”، الذي كان يأتيها في المنام، طالبا منها زيارة مرقده، لكي يخبرها عن سر المخطوطة، التي دون فيها سلالته منذ عهود مضت.. عن البئر التي تخرج أصواتا غريبة وعن الشجرة التي يزعم البعض أنها مسكونة.

كل هذا النسيج القائم على الأسطورة والخيال، كان عماد العمل الذي امتد لأكثر من مئتي صفحة من القطع المتوسط، حاملا على جناح الحكاية والفنتازيا، فكرة الكاتب، التي تشير إلى الجذور الممتدة عبر مئات وآلاف السنين في عمق هذه الأرض، مبرزا في ذات الوقت طبيعة الصراع الذي حدث بشكل تراجيدي متسارع، منذ حملة إبراهيم باشا، الذي جعل من المنسي أحد قواده البارزين، ثم من بعد سقوط الخلافة ودخول الانجليز إلى حلبة الصراع، بعد احتلالهم لفلسطين ودور المنسي في الدفاع والمقاومة من خلال مرافقته لعز الدين القسام ومشاركته في العديد من المعارك، التي دارت في سوريا ولبنان وحيفا وكان آخرها في الفالوجا، ثم رحيله مع عبد الناصر إلى مصر واختفائه هناك، حيث قيل أنه مات فيها وبنوا له مقاما في صعيد مصر.

عبر هذا الملخص السريع تدور أحداث الرواية وتتقاطع، حاملة على جناح الحكاية، سيرة ممتدة لأكثر من قرنين من الزمان وما زالت، مبرزة فصول المعاناة والفداء والبطولة، التي خاضها شعبنا أمام بطش الطغيان، الذي تمثل بكل القوى الاستعمارية التي تآمرت عليه وساندت هذا الكيان الغاصب.

صحيح أن الكثير من الكتاب الفلسطينيين لجأوا في الفترة الأخيرة، لتناول حقب زمانية مختلفة في أعمالهم الروائية، كنوع من التأكيد على الهوية والتاريخ، الذي بات مهددا أمام آلة الإعلام المعادية ودعم غربي واضح لتلك الرواية الزائفة، فكانت أعمال أحمد رفيق عوض “عكا والملوك” ، غريب عسقلاني أولاد مزيونة، محمد نصار “المبروكة و عبدو هيبا”، ابراهيم نصر الله في” قناديل ملك الجليل” والعشرات من الأعمال الأخرى، التي لا يتسع المجال لحصرها، إلا أن اعتماد التلولي في هذا العمل الروائي، على الأسطورة والخرافة وكل تلك الأجواء الفنتازية التي حملتها الرواية، جعلت لها نكهة خاصة ومغايرة، عما سلف ذكره من أعمال .

تهانينا للكاتب وتمنياتنا بالمزيد من الإبداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى