ثقافة

بين صخور الواقع وأمواج الحياة: تأملات في مجموعة قصصية “التل والبحر… شاهداً” للكاتب علاء عثمان أبو جحجوح.. بقلم: ماهر محمود داود

قراءة في المجموعة القصصية

التل والبحر … شاهداً للكاتب علاء عثمان أبو جحجوح

بقلم: ماهر محمود داود/ ناقد 

15/8 /2023

الأدب يلتحم بشكل مباشر مع مشاكل وهموم الناس، يعالج قضايا الإنسان مبتعداً عن الثقافة البرجوازية التي تعلي شأن السلطات والطواغيت في البلاد، فالكاتب مهمته أن يشتبك مع واقعه وحياته، يُحيِد نفسه عن طريق اللزوجة والميوعة في تصدير المواقف التي لا تعلي شأن الإنسان لا شيء سوى الإنسان، نُطل على مجموعة قصصية معجونة بمناقشة مشكلات الناس بطريقة فنية ملفتة، سلسة، انسيابيتها سهلة قريبة للناس، البعد النفسي لشخصية علي مصطفى تظهر من خلال رفضه وفقدان ثقته باجترار التاريخ الفلسطيني بشكله التقليدي وبعده عن طرح رؤى سياسية مستقبلية واضحة ومحددة، فيقول: ” يكفيني هذا القدر من التاريخ، فما شأنهم وشأننا منذ البداية؟!، لم أعد قادراً على تحمل ما ترويه، لقد حفظت هذه الأرقام 48،56،67 عن ظهر قلب”، في قصة على حافة الرصيف يظهر شكل العلاقة اليومية مع الاحتلال، ” فإسرائيل” هي وليدة الحركة الصهيونية العالمية، والصهيونية كفكرة تنطوي في جوهرها على دعوة العودة إلى أرض الأجداد وطرد سكانها الأصليين، فشخصية الجندية التي تقف خلف الكتلة الاسمنتية تظهر بشكلها العنصري والقاسي والهمجي، ” اذهب أنت ومن معك من الصغار من هنا ولا تلتفت خلفك، امحُ من ذاكرتك شجرة الصنوبر” فالكتاب أظهر شخصية المرأة الصهيونية على حقيقتها من غير تجني، ويستخدم الكاتب دلالة اللون الأزرق ” العيون الزرقاء” ليس لدلالة الراحة والسلام في استخدامات الدعاية والإعلان، بل لتبيين تمظهر الشكل الغريب عن الجغرافيا والأرض المحتلة و التأكيد على غرابة الوجود وأيضاً ” الشعر الأشقر” فينهرها قائلاً: أنسيتِ من أين أتيتِ؟! فمصداقية الشخصية وواقعيتها في القصة تتلاءم مع الواقع المعاش في المجتمع الفلسطيني، منسجمة مع طبيعة الصراع؛ فالشكل الخارجي للجندية الواقفة على الحاجز المحملة بالسلاح يظهر ذلك ” تستدير بظهرها تسبه وهي متمايلة الخصر المثقل بقنابل غاز الدموع” فهو بذلك يميط اللثام عن شخصية الجندية من خلال شكلها وتصرفاتها وما تطرحه من أفكار من سرقة للمنزل وذاكرة شجرة الصنوبر، و ما هو إلا دلالة على الإصرار على استخدام العنف تجاه الفلسطيني الذي لا يحتاج لكل هذا مسلحاً بإيمانه بالحق وأن صموده على أرضه أقوى من كل السلاح.

استعمل الكاتب تسجيلات المشاهد في بعض قصصه بعين السيناريست الذي يُعلي قيمة المشهد في سرده للأحداث، موصوفاً بالحركة واصفاً واقع شخصياته بلغة حية مرنة ففي قصة كيف لا طور النهاية بحدث سردي يحقق الإثارة، فعبر عن رفض أهل البنت لتزويج ابنتهم لرجل من الأشخاص ذوي الإعاقة، فأراد من خلال قصته أن يوظف قضية حق الزواج والحياة للأشخاص ذوي الإعاقة كقضية إنسانية يجب تسليط الضوء عليها في المجتمع الفلسطيني، ” يدق الباب بلطف، لطلب يدها مرة أخرى، يصده أبوها، لقد أخطأت العنوان للمرة الثانية، كيف ولم أخطئ في المرة الأولى؟! ظننت أن قدميّ المستعارتين، للوقوف أمامك، أفضل من الجلوس على الكرسي المتحرك”

استخدم الكاتب تقنية التناص الديني في قصة التل والبحر .. شاهداً لارتباطه الشديد بوجدان الناس، ولتأثيره الواضح في نفوس القراء، فيُظهِر إصرار الصيادين على صناعة الأشرعة الموجهة نحو البلاد شمالاً رغم كل السخريات المحيطة بهم ” يصنعون فلك العودة، رغم الساخرين من سفينة نوح، يوجهون أشرعتها كل فجر نحو البلاد شمالاً” وفقدان الأمل في العثور على الصيادين المخطوفين من طرادات الاحتلال بعد عشرين يوم من البحث عنهم، فيقول: ” أعلن فشلي ككهنة المعبد، في قصة يوسف”

يستحضر الكاتب المكان الذي لا يغادره فأهل قرية الجورة أقاموا مكان ” تل ريدان” في مدينة خانيونس يشبه واقعهم ما قبل النكبة ” يقال له عزبة الصيادين، أقامه الأهل بعد الرحيل، حيث الصيد حرفتهم وحيث المكان يشبه في موقعه بلدتنا ( عسقلان) قرية ( الجورة)، تقول سيزا قاسم في كتاب القارئ والنص ” العلاقة بين الإنسان والمكان تظهر بوصفها علاقة جدلية بين المكان والحرية، وتصبح الحرية في هذا المضمار هي مجموعة الأفعال التي يستطيع الإنسان أن يقوم بها دون أن يصطدم بحواجز”

فالإنسان الحر يرتبط بشكل متجذر مع أرضه ويعرفها شبراً شبراً، يقول الكاتب: ” لم تذكري أن البحر هو الموطن الأصلي لي” فالكاتب يصور دلالة عمق المكان في نفوس ساكنيه؛ فالهوية المكانية والإصرار على استحضارها تقهر المحتل وهو بذلك يصنع مقاربة للواقع الظالم الواقِع على الشعب الفلسطيني.

في نهاية مجموعته القصصية يختتم بقصة أقرب للشمس والتي تلقي ظلالها على واقع الحصار والفقر المدقع للشباب الفلسطيني، و إظهار جهدهم الدائم من أجل الوصول للعيش الكريم، وبناء الأحلام في ظل حياة الضنك في القصص العائلية المسكوت عنها، ما جعل قصص الكاتب أكثر قرباً من القارئ هو أن أغلب شخصياته من المعذبين والمهمشين والمتسولين والمقهورين.

زر الذهاب إلى الأعلى