مجتمع

الحب وحده لا يكفي : خالد جهاد

الحب وحده لا يكفي

خالد جهاد/ كاتب فلسطيني

الحب شعورٌ جميل يراودنا جميعاً خاصةً عندما نكون في مقتبل العمر، فنرسم معه أحلامنا وأمانينا للمستقبل، فيُخيَّل إلينا أن لا شيء سيقف في طريقه وأنه كافٍ لاستمرار الحياة وسيتخطى كل العقبات والفروقات، وبتنا نسمع كثيراً عن مصطلح (الزواج المختلط) في البلاد العربية، خاصة في السنوات الأخيرة، ولكن هذا المصطلح اقترن في الأذهان بالزواج من أديان أو مذاهب مختلفة بكل ما تحمله من تبعات وضغوطات على الطرفين إلى جانب رأي مختلف الأديان والمذاهب في هذا الشأن وتقنينه ووضعه ضمن محاذير وحدود وضوابط معينة لسنا في صدد الحديث عنها، لكن لا يضع البعض فكرة الزواج من جنسية مختلفة سواءً كان الطرفان يتحدثان نفس اللغة أو يلجآن إلى التحدث بلغة مشتركة لكليهما ضمن هذا المفهوم، كما لا يضع أيضاً البعض فكرة الزواج بين ثنائي قد يكونان من نفس الدين والمذهب والبلد لكن الثقافة بينهما تختلف بشكل جذري، فلا تجمعهما اهتمامات أو أفكار أو قناعات تشمل نظرة كل منهما إلى العديد من جوانب الحياة الهامة كالدين والسياسة والفن والوطن والحياة المهنية وحتى النظرة للحب والجنس، والتي قد لا يولي أحدهما أو كلاهما أهميةً لمناقشتها قبل إتمام الزواج طالما توفرت لديهما العاطفة والرغبة المبدئية في الارتباط ببعضهما، والذي قد يتحول إلى مشكلةٍ كبرى بعد أن يعيشا معاً تحت سقفٍ واحد.

ويحدث غالباً قبل الزواج أو في الشهور الأولى بعد إتمامه، أن يتم التغاضي عن الفروقات الثقافية أو الفكرية أو حتى إنكار وجودها؛ رغبةً من أحدهما أو كليهما في استمرار العلاقة أو خوفاً من التعرض للانتقادات في حال الانفصال خاصةً عندما لا تكون هذه العلاقة محل ترحيب منذ البداية في البيئة المحيطة بهم.

وهناك بعض الحالات التي يتم فيها سيطرة أحد الطرفين على الآخر والهيمنة حتى على ثقافته ومعتقداته الشخصية ومنعه من ممارستها حتى وإن كانت جميلة،فتراه يتبع عاداته أو يتحدث بلغته أو لهجته ارضاءاً له ومحاولة ً للإندماج بشكل ٍ أكبر في محيط الآخر والذي قد يرتد سلباً عليه فيعيش تعيساً خاضعاً بلا شخصية أو قرار حتى وإن حاول اظهار سعادته بوجوده في ثقافة ٍ أخرى هو في الواقع تحول فيها من مرحلة المحبة والإنفتاح والتقبل والتفهم إلى مرحلة التبعية والإقصاء والإلغاء الكلي وأحياناً الذل وخصوصاً عندما يصبح منبوذاً من بيئته الأم بسبب إقدامه على هذا الإرتباط فلا يملك خيار العودة ولا خيار التمرد لأن الوحدة والعزلة غالباً ما ستكون مصيره..

ومما لاشك فيه أن الأحداث التي عصفت بالعالم العربي في العقد الأخير كشفت عن الكثير من المشاكل الاجتماعية وأنماط التفكير التي لم تكن واضحةً وتسببت أيضاً في الكثير من حالات الانفصال بين العديد من الأزواج لاختلافات في وجهات النظر الوطنية والدينية والسياسية، والتي انعكست على حياة الكثير من العائلات سلباً وزادت في أوساط الزيجات المختلطة، والتي لم يكن الحب فيها كافياً للاستمرار عندما وضعت المتغيرات المختلفة العلاقات على مفترق طرقٍ، وجعلت الاستقرار الأُسَريَّ على المحك، خاصةً في ظل وجود أطفال يحاول كلٌ من الزوجين تنشئته على قناعات قد لا تروق للطرف الآخر مما يفجِّر الخلافات ويؤدي إلى انهيار هذا الزواج، والتأثير على نشأة الطفل النفسية بسبب حالة التشتت وصراع الهويات بين الأبوين والذي قد يحوله إلى شخص مدمِّر في المستقبل.

لذلك وبنظرة واقعية إلى مجتمعاتنا اليوم وسط كل الظروف والمتغيرات المستمرة، واعتماداً على تجارب طويلة لزيجات مختلطة من كل النواحي والأبعاد وليست محصورة في الشق الديني؛ ينبغي على كل من يفكر بشكل جديٍّ في الارتباط من ثقافة مختلفة بالتفكير والتروي والنقاش مع الشريك المستقبلي في الأمور التي تشكِّل معنىً هاماً لكليهما بوعي وبلا خجل، دون الخوف من شبح الابتعاد لأن الانفصال في طور الحب أسهل وأقل تكلفةً من التبعات النفسية والاجتماعية والعاطفية لكليهما بعد الزواج وتزيد صعوبتها في ظل وجود أطفال.. وهنا، الحب وحده لا يكفي، بل ينبغي اقترانه بالصدق والتعقُّل وتغليب عامل الاستقرار في العلاقة وضمان الاستمرارية فيها على السعادة الآنية التي قد تهزها صعوبات الحياة ولا تنقذها العواطف بكل أسف..

تعليق واحد

  1. كلام واقعي و سليم خاصه أن علش الزوجان داخل بلادهما العربيه و قرب أهلهما فهذا يزيد من صعوبه التفاهم و تكمله المشوار الى النهايه. لنجاح أي زواج الحب بنظري هو العامل الأكبر أهميه. و الحب الذي أتكلم عنه هو المقدره و الموافقه على تنازلات من قبل الطرفين لتقريب وجهات النظر من المواضيع المتضاربه بينهم. و أنا أقر بأن هذا ليس بسهل على الإطلاق.
    تحياتي لكاتبنا الحبيب و المبدع في كل كتاباته المبنيه على العلم و المعرفه و الأهم مبنيه على المحبه و عدم التمييز بين كافه الخلفيات و الأطراف لمجتمعاتنا العربيه.
    حنا كعبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى