تقارير

مشروع ملهم في غزة: مخبز البنات يجسد الإبداع والتحدي في ظل الحصار

مخبز البنات الست يتحدى فقر غزة

تقرير: محمود البلعاوي 

في ظل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، يخرج الغزي بأفكار إبداعية تبدو وكأنها “غريبة” و”جديدة” في القطاع المحاصر.

دفء عائلي وحاجة ماسة أنضحت فكرة الفلسطيني “داود البوجي” الذي قرر مواجهة صعوبة الحياة في غزة، الأمر الذي دفعه لصنع فرصة حقيقة له ولعائلته، فبدلا من الوقوف خلف الطوابير على أبواب الجمعيات الخيرية يشتكي هم “البنات الست”، وينتظر من يحمل عنه هذا العبء، شكل “أبو مريم” فريقا واحدا من بناته كشركاء في مخبز البنات الست لصنع خبز “التنور” الفلسطيني الشهير، وإعداد الشطائر لتوصيلها للناس في المنازل وللموظفين الراغبين في الاستمتاع بوجبة إفطار على الطراز الفلسطيني.

مشروع جديد

داود البوجي، البالغ من العمر 44 عاما، خريج سياحة وسفر، وكان يقيم في السعودية، وعاد إلى غزة وتزوج وأنجب بناته، لكن ظروف الحياة الصعبة في غزة منعته من الحصول على الوظيفة في أي مجال.
بدأت فكرته عبر إنشاء صفحة “Girles 6” على الفيسبوك، وبث مقاطع فيديو لصنع المخبوزات والنكهات التي يضيفها إليها؛ الأمر الذي تفاعل معه الكثير من الناس، وآخرين طلبوا وجبات سريعة تشجيعا له.

يقول: “طرقت أبواب عمل كثيرة، لكني لم أجد مصدر رزق، فراودتني فكرة هذا المشروع، والذي قمت بافتتاحه مع زوجتي وبمساعدة بناتي الستة من داخل مطبخي في البيت، وقسمنا العمل فيما بيننا، وحرصنا كل الحرص على أن نقدمه بجودة عالية حتى ينال إعجاب الناس.

يعتبر خبز “التميس” من أكثر أنواع الخبز المشهورة في الوطن العربي، وله عدة مسميات،
ففي السعودية يسمى “بالتميس”، وفي ليبا “بالتنور”، وفي فلسطين يسمى بخبز “الطابون” طعاما خفيفا ووجبة سريعة، وسعرها شعبي مقارنة بالأكلات الأخرى، ويستطيع التنقل بها وإعدادها أمام الزبون.

عمل احترافي

ويتابع: “أقوم بتحضير “التميس” بعدة طرق، وأضيف إليه الأجبان والزيتون والزعتر ومشروم صدر الدجاج ونكهات أخرى، إرضاء لرغبات الناس، وبحسب طلباتهم،
ومن ثم أقوم بتحضيرها بصورة غير نهائية واضعها في صندوق خشبي خلف الدراجة النارية “ديلفري”، وأذهب للزبائن وأعد الطعام أمامهم بصورة نهائية وبشكل احترافي بطريقة نوعية.

جهود عائلية

حين تتجول بعينيك داخل المطبخ الصغير، وترى الزهرات الستة يقتسمن العمل، ويبذلن جهودا ناعمة تنبع من براءة أناملهن، تشعر وكأنك تشاهد خلية نحل، فعندما تكون البنت سندا لأبيها تملأ البركة المكان بالرغم من الإمكانيات المحدودة.

مريم ومرام ورؤى ورؤية تلميذات بالمدارس، أكبرهن لم تتجاوز ال14 عام،
يساعدن والدهن في وضع العجين وخبزه ولفه في شطائر لذيذة ، وتحضير الوجبات لتصبح جاهزة للتوصيل إلى الزبائن.

تقول ابنته مريم (14 عام) “نشعر بالفخر حين نساعد والدنا في مشروعه لتوفير احتياجات البيت وكل ما يلزمنا، لذلك نقوم بمساعدته في تقطيع الخضار والدجاج وتحضير الزعتر والزيت والجبن حسب الحشوة إن كانت نقائق أو مشروم أو دجاج”

أما رؤى (12 عام) تحب الطبخ كوالدها، وتعشق هذا المجال تيمنا به، فقد أعربت عن سعادتها لابتكارها وشقيقاتها خلطة جديدة “للتميس” طيبة جدا على حد قولها.

في حين تحدثت الأم هدى البوجي قائلة: ” لا شك أن العمل يتطلب الكثير من الجهد و العمل الدؤؤب، ولكن تستطيع على الأقل توفير الحد الأدنى لمتطلبات البيت والبنات، ويغنيك أيضا عن سؤال الناس، لذلك شجعت زوجي على تنفيذ مشروعه ووقفت بجانبه، ودعمته، وقدمت له كل ما يحتاج من مساعدة أنا وبناتي محاولة تخفيف العبء عنه،
وتابعت ” نصنع أصناف متعددة من الأكل مثل “فاست فود” والمعجنات، وبعض أصناف الحلويات، ووصلنا إلى فكرة التميس (خبز التنور) على آلية معينة تكون سهلة علينا وعلى بناتنا”.
و تضيف “بفضل الله كبر المشروع وأصبح لدينا زبائن وزادت الطلبات، حتى أصبحت هناك مؤسسات وموظفين يعتمدون علينا في تقديم وجبة الفطور لهم بشكل شبه يومي تقريبا”.

خلطة البنات الستة

ما شجع البنات على التفاعل مع مشروع والدهم “Girles 6” هو إعداد خلطة باسمهن “خلطة البنات الستة” وتحتوي على دجاج مفروم ومشروم وفلفل حلو وزيتون وجبنة وزعتر ونقانق.

ويوضح البوجي أن استمراره بالمشروع جاء بناء على تفاعل الناس مع الوجبات التي يعدها،
قائلا: “للوهلة الأولى، استغربت الناس فكرة صنع التميس أمامها وفي مكان عملها أو على شاطئ البحر، وتقديم الوجبة ساخنة وعلى طبق”.
ويضيف: “أصبحت الزبائن على تواصل معي لطلب وجبات التميس، رغبة صح في صنع هذه الوجبات أمامها، ومن كان يطلب وجبة أصبح يطلب اثنتين”.
وبفضل مشروع “Girles 6″ بات يحقق البوجي دخلا يوميا آملا أن يطور مشروعه المنزلي.

الفتيات في غزة يخلدن الذكريات ويصنعن صورا إبداعية
حين تجد صورة مطوية في كتاب مهمل طغت على ملامحها آثار السنين ومزقت تفاصيلها كثرة تداولها بين الأيدي، تجتاحك سعادة غامرة لأنك تحمل بين يديك ذكرى ماضي عزيز، فأهمية الصورة تنبع من تخليد الذكرى.
في اجواء مفعمة بالسعادة، واكسسوارات تمنح بعدا خياليا ممتعا للصورة، وعلى صوت الموسيقى الهادئة، تلتقط الصور وتصنع الفيديوهات، لتوثيق الذكريات والتفاصيل الجميلة وإبرازها بصورة مبتكرة وغير مألوفة.

لقطات لها ما قبلها وما بعدها، تحتاج الكثير من التدريب والتطوير والممارسة للخروج بنتائج أفضل وجودة عالية، فالكاميرا مهما بلغت من الاحترافية لا يمكن أن تصنع صورة جميلة دون موهبة وإبداع ومهارة من عين حاملها.

هذا ما عبرت عنه المصورة الفوتوغرافية والناشطة هالة شحادة حين قالت :” لا شك أن امتلاك الكاميرا أمرا ضروريا للعاملين في هذا المجال، ولكن الأساس هو الرؤية الإبداعية لاختيار الكادر والزوايا وكيفية اللقطات وهذا يعتمد على المهارة والممارسة والخبرة والموهبة”.
وأضافت ” احترافية الكاميرا ونوع عدستها لها دور كبير أيضا في صنع صورة جميلة ذات جودة عالية، وهذا ما يدفعنا للتطوير الدائم من مهاراتنا ومعداتنا، فالإنسان حليف التطور دائما”.

الإبداع وليد الشغف

هالة شحادة خريجة صحافة وإعلام من جامعة الأقصى، عملت في التصوير الصحفي في العديد من المؤسسات الصحفية، تعرضت هالة لانتكاسة جعلتها أكثر انغلاقا على نفسها، فحاولت أن تكسر الجمود في حياتها، فلجأت إلى تصوير اللحظات الجميلة في المناسبات والأفراح، والتي كانت بدايتها صورا لصديقاتها، تعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي ولاقت قبولا وتفاعلا، والتي كانت قطرة سبقت غيثا من طلبات الزبائن، إلى أن صنعت لها اسما وسط منافسة شديدة في هذا العالم وأصبحت إحدى أهم المصورات في قطاع غزة.

تقول هالة “الموهبة والشغف هما الدافع وراء كل إبداع، والتصوير هو هوايتي المفضلة وله علاقة بالترويح النفسي وليس المادي، بعيدا عن روتين العمل وضغطه، والذي يزيد من شغفي هو تقديسي للحظات الجميلة وفخورة كوني مخلدة لها”

مواقع التواصل الاجتماعي

وفي السياق ذاته أجابت هالة عن أثر مواقع التواصل الاجتماعي حيث قالت :”ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول إلى شريحة كبيرة من الناس، حيث تمكنك من عرض أعمالك على المتابعين، ومشاهدة رود الفعل حولها إما بالتشجيع أو الانتقاد.
ولكن على صعيدي الشخصي أحترم خصوصية ورغبة الزبون في عدم إظهار الصور بحكم التزام معظمهم مقارنة بأخريات يعرضن أعمالهن برضا من زبائن متقبلين هذا الانفتاح وهنا تكمن المفارقة، ويفوز التسويق دوما، لأن طبيعة فئة الشباب تنبهر بالمظاهر”
وتعتبر هالة أسلوب المصورة وتواضعها هو جزء كبير من نجاحها، لأن المصورة هي جزء من الناس، وهذه المهنة تحتاج النفس والطويل والكثير من الصبر للخروج بصورة أفضل.

تحظى هالة بجمهور كبير لأنها تحمل بجانب عدستها هموم الناس وأوجاعهم وتتحدث عنهم، ولن تبخل بنصيحة لمن يبتغيها،
سماحة قلبها وخفة ظلها وموهبتها تضمن لها الوصول إلى طموحاتها، وأن تبقى هالة نور لغيرها

الطريق نحو الاحتراف

أما آلاء سليمان (26 عام) تخرجت من كلية الصحافة والإعلام من جامعة الأقصى، بدأت تطور نفسها منذ السنة الدراسية الأولى في الجامعة، وعملت مع العديد من الوكالات الإخبارية في مجال التصوير التلفزيوني (الفيديو) بآلية غير منتظمة،
وفي عام 2017 دخلت عالم التصوير الفوتغرافي، مع أنها كانت لا ترغب العمل به،
لكنها فوجئت بقدراتها وأنها تستطيع أن تلتقط صورا جمالية مبدعة، حيث تقول :”من السهل أن يكون مصور الفيديو مصورا فوتغرافيا، ولكن ليس العكس، لأنه من الصعب أن يرسم المصور الفوتغرافي الصورة للفيديو”

وتابعت ” البدايات ترافقها دائما الصعوبات والمشقات، والاستمرار في هذا الطريق يتطلب التحمل والصبر.
في بداياتي كنت ألتقط الصور على هاتفي وأتدرب وأتعلم، وعندما وصلت لمرحلة متقدمة في هذا المجال، قررت أن أمتلك كاميرا عالية الجودة للحصول على صور احترافية.
وعبرت آلاء عن حبها الشديد لكاميراتها وتعلقها بها، حيث أنها تعدها جزءا منها، لايمكن الاستغناء عنها.

واتفقت آلاء مع هالة في ايجابية مواقع التواصل الاجتماعي في هذا المجال.
لكنها اعتبرتها ساحة والشخص هو الذي يفرض نفسه عليها من خلال تقديمه لمحتوى مميز يلامس احتياجات الناس، وستجد الدعم والرواج،
وأضافت “حين تبني اسما لك وسمعة طيبة، الناس ستبحث عنك، وأنت بدورك تقنعهم بأفكار جديدة وصور جديدة، تميزك عن غيرك.

الانجذاب نحو الطبيعة

حين تشاهد صورا مبهجة لأقرانك تملأها التفاصيل الجميلة وسط طبيعة خضراء تدفعك الرغبة إلى المنال بمثلها، وهذا الذي زاد من التوجه نحو التصوير الخارجي، وقلل من التصوير داخل الاستديوهات
تحدثت آلاء عن هذا الجانب قائلة “التفتح والتنوع من قبل الشباب هو الذي حد من التصوير الداخلي، مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت صورا وأفكار وزوايا جديدة تتيحها لك مواقع التصوير الخارجي،
عدا عن الإضاءة الطبيعية والمناظر الحقيقة التي تعطيك صورة إبداعية،
ويمكنك أيضا إعادة الالتقاط والتكرار، فتكون هناك فرصة للتعديل اللحظي كما يرغب الزبون، وهذا لا يمنحك إياه التصوير الداخلي، الذي يحكمه الإضاءة الصناعية واللقطات المحدودة والتصميم الذي يراه المصمم، وستخرج بصور حتمية لا يمكن التعديل عليها.

الوضع الاقتصادي

في ظل الوضع الاقتصادي الذي يمر به القطاع تلجأ بعض الفتيات إلى امتهان أعمال حرة ليشغلن أوقاتهن ومن هؤلاء الفتيات إيمان صباح (23 عام) تخرجت من كلية الآداب من الجامعة الإسلامية، ولم تحصل على عمل، فتعلمت التصوير الذي وجدت في نفسها ميولا نحوه، لكنها لم تكن تعرف كيف تضع قدمها على بداية الطريق، فأسندها شقيقها الذي يعمل مصورا والذي كان داعما لخطواتها في هذا المجال،

تقول إيمان: ” وجدت شغفي في هذا المجال، حيث أنك تعبر عن إبداعك وتميزك وأيضا يعود عليك بدخل جيد، وتشعر بالرضى عن نفسك حين ترى بريق السعادة يلمع من عيون الزبائن حين يشاهدون الصورة النهائية”
وأضافت “معظم الطلبات تأتيني عن طريق العلاقات الاجتماعية والمعارف، على الرغم من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنني لم أسوق أعمالي وأقدمها للمتابعين كما يجب”

أسعار الجلسات

وبفضول أكثر سألنا عن أسعار الجلسات وكيف يتم تقييمها أجابت “لا بد أن الوضع الاقتصادي الصعب لا يتناسب مع الأسعار المرتفعة، لذلك تلجأ معظم المصورات إلى سعر يقدر مجهودها ويناسب الزبون، وتتفاوت أسعار الجلسات، والزبون هو الذي يختار ما يناسبه، فهناك عدة عوامل تحدد السعر وهي المكان و نوع المعدات التي تكون أحيانا عالية التكلفة مقارنة بغيرها، ونوع الفوتبوك وأيضا نوعية الجلسة، والفرق يعتمد على الجودة”.

مواكبة التطور

بينما اقتصرت إيمان أبو زايدة (24 عام) خريجة الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية على التصوير الصحفي وتوقفت عن تصوير المناسبات لأن عدسة الكاميرا التي تملكها لم تعد تناسب سوق العمل وسط هذا التطور الكبير الذي تشهده،
وتأمل إيمان أن تطور من معداتها لتعود بقوة أكبر.

زر الذهاب إلى الأعلى