ملفات اليمامة

تطور الموسيقى العربية عبر العصور

تطور الموسيقى العربية عبر العصور

دانا أبوزيد – اليمامة الجديدة

الموسيقى لغة القلوب والأعماق، لغة الجمال المطلق التي تتجاوز السمع لتصل للوجدان، هي الفن الإنساني المتأصل منذ غابر الأزمان، الفن التعبيري الذي جمع العالم بأسره في نوتة.
يُقال أن كلمة “موسيقى” يونانية الأصل، وقد كانت تعني سابقاً الفنون عموماً غير أنها أصبحت فيما بعد تطلق على لغة الألحان فقط.
تمتد جذور الموسيقى العربية الأصيلة إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد، وكان الاعتقاد السائد عند كثير من الباحثين أنها إغريقية الأصل أو فارسية، و يعود ذلك لظنهم بنشأتها في العصر الجاهلي حيث كانت الحضارات الإغريقية والفارسية في عنفوانها، لكن تقدم علم الآثار في العصور الحديثة أنار طريق التاريخ الموسيقي وغيّر الأفكار بالنسبة لمعرفة التدرج الحضاري في العالم تغييراً جذرياً.
إذ اتضح أن الموسيقى العربية لا ترجع بدايتها إلى العصر الجاهلي، بل ترجع إلى أبعد من ذلك بكثير، فيما يزيد على ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد نجد على ضفاف النيل شعباً يتمتع بمدينة موسيقية ناضجة، تجاوزت آلاتها طور النشوء وبدت كاملة سواء في الآلات الإيقاعية، آلالات النفخ والآلات الوترية.
وبينما الشعب المصري يرسل أغنياته على شاطئ نيله السعيد، نجد على ضفاف الرافدين وفيما حولها مدن موسيقية عالية فياضة هي بابل وآشور التي شملت شعوب الكنعانيين والفينيقيين والحيثيين، و امتدت ظلالها حتى شملت غرب آسيا وشمال أفريقية، وظلت هذه الشعوب على اتصال وثيق دائم ببعضها مما جعل لها سجلاً تاريخياً لحضارة موسيقية موحدة الطابع وإن تنوعت في صورها وتعددت في لهجاتها.
يقول المؤرخون إن الآلات الموسيقية التي تواجدت في العصر الجاهلي تتوزع ما بين الآلات الإيقاعية (الطبل والدف والصنوج والجلاجل) وآلات النفخ (المزمار بأنواعه)، كذلك أخبرنا الفارابي عن وجود آلات وترية ويتمثل ذلك في الطنبور والعود والمزهر (عود ذو وجه من الجلد) والموتر والبربط (العود الفارسي) وكان الشعر هو مادة الغناء الأساسية.
ثم تأثرت صناعة فن النغم والألحان منذ ظهور الإسلام بالحضارات الفارسية، التركية و المصرية لذلك فهي تشترك  مع الموسيقى الشرقية من حيث المبدأ و تتصل اتصالاً وثيقاً بجنس الإيقاع الموزون، فالعرب القدماء هم أول من استنبط الأجناس القوية في ترتيبات النغم، و تعتبر المقامات الموسيقية هي الأساس اللحني والنغمي للموسيقى العربية حيث يمكن تمييزها بالطبقات الصوتية أو بالعزف على الآلات.
ويعد العصر العباسي هو العصر الذهبي في تاريخ الموسيقى فقد تطورت وأهتم الخلفاء بها، حيث كان حُكم الخليفة الواثق بالله هو أبرز فترات هذا العصر، و أَولى الغناء والموسيقى جلّ اهتمامه، فقد كان موسيقياً بارعاً و مغنياً حسن الصوت، وبالإضافة إلى انتشار العديد من الكتب التي تضمنت الأسس والقواعد الموسيقية التي يسير على نهجها الموسيقيون حتى يومنا هذا ومن أهمها كتاب “الموسيقى الكبير” للفارابي و كتاب “الأغاني” لأبو الفرج الأصفهاني.
أما في العصر الأندلسي فقد حدثت نهضة موسيقية نوعية نظراً لابتكار فن “الموشح” وذلك عندما شعر عرب الأندلس بحاجتهم إلى التحرر من قيود و أوزان الشعر التي التزموها طوال حياتهم في غنائهم، لذا نظمت الموشحات لتلائم الغناء والموسيقى دون أي التزام جامد بعلوم العروض والقافية التي خضع لها الشعر العربي عامة والغنائي خاصة منذ نشأته.
وإلى جانب الموشح ظهر لون آخر من الشعر الغنائي، وهو الزجل الذي سمي بهذا الاسم لترجيع الصوت به في الإنشاد، وهو شعر عامي، عربي، وأحياناً تخالطه ألفاظ أعجمية، أول من اشتهر به هو “أبو بكر بن قزمان”.

وقد لمع في هذا العصر موسيقيين متميزين مثل زرياب الذي أضاف الوتر الخامس للعود وكان له فضل عظيم في نقله لطريقتين في الغناء من بغداد إلى الأندلس وهما: طريقة الغناء على أصول النوبة و طريقة تطبيق الإيقاع الغنائي مع الإيقاع الشعري.
وصولاً إلى العصر الحديث الذي بدأ منذ منتصف القرن العشرين  حيث ظهر تأثر الموسيقى العربية بالموسيقى والثقافة الغربية، وبدا ذلك واضحاً على روّاد المدرسة الموسيقية العربية الحديثة، المبدعين المتميزين: سيد درويش، عمر خيرت، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، فريد الأطرش، محمد فوزي والأخوان رحباني.
ثم انتشر الخلط ما بين الموسيقى العربية والغربية واستخدام الآلات الموسيقية والكلمات الغربية في بعض الأغاني، و ظهر العديد من أنواع الموسيقى، منها موسيقى الراب، الجاز، الروك، والمهرجانات الشعبية.
و ظهرت فرق الإنشاد الصوفي وأداء الموشحات والقصائد العربية بأصولها ورونقها، وقد أُنشأت المعاهد الموسيقية في سورية منذ الثلاثينات، وفي مصر منذ العشرينات.
وما زالت الموسيقى العربية في تطور مستمر إلى يومنا هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى