ثقافة

كيفَ يكُون سيزيف سَعيداً؟

كيفَ يكُون سيزيف سَعيداً؟

رشيد سبابو/ مدون مغربي

“على المرء أن يتخيّل سيزيف سعيداً”، يقول (ألبير كامو).
يمكننا الانطلاق من هذه القولة التي ختم بها الفيلسوف الفرنسي (ألبير كامو) دراسته الفكريّة “أسطورة سيزيف”، لنتعرف على ماهية السعادة في الفلسفة العبثية، ويمكننا أن نتساءل؛ كيف يمكن لسيزيف- المحكوم بعمل تافه أبدي وبلا معنى- أن يكون سعيداً؟

عن أسطورة سيزيف

تحكي أسطورة سيزيف عن نصف إله له نفس الاسم، حكمت عليه الآلهة برفع صخرة بلا انقطاع إلى قمة جبل حيث تسقط الصخرة بسبب ثقلها ثانية، وعليه أن يقوم بدفعها للأعلى مجدّداً ليتكرر نفس السّيناريو للأبد!
اختلفت الروايات في سبب إدانة (سيزيف)، فمنها من تقول أنه سخر من الآلهة وسرق أسرارها، وتقول رواية (هوميروس) أن سيزيف وضع الموت في الأغلال، ولم يحتمل (بلوتن) منظر إمبراطوريته الصامتة المهجورة؛ فأرسل إليه إله الحرب الذي حرر الموت من يد داحره، فوقع ما موقع من حكم الآلهة على سيزيف الذي طالما أحبّ الحياة.
لقد ظنّوا أنه ليس هناك عقاب أبشع من العمل التافه الذي لا أمل فيه.
يقول (ألبير كامو): “لقد فهمت الآن أن سيزيف هو البطل اللامجدية وهو كذلك عبر عواطفه بقدر كونه كذلك عبر عذابه، واحتقاره للآلهة، وكرهه للموت وعاطفته المتحمسة للحياة. أدت كل تلك الأمور إلى ذلك العقاب الرهيب الذي يكرِّس فيه الكيان كله من أجل تحقيق اللاشيء، وهذا هو الثمن الذي يجب أن يدفع لقاء انفعالات وعواطف هذه الأرض”.

كيفَ يكون سيزيف سعيداً بهذا المصير العبثي؟

يقول كامو: “وأثناء تلك العودة، تلك الوقفة، يهمني أمر سيزيف… تلك الساعة كالفضاء المتنفس، بالتأكيد، كيقين عذابه تلك هي ساعة إدراكه”.
تلك اللحظة التي تسقط فيها الصخرة للأسفل في ثوانٍ معدودات، بينما استغرق الأمر في دفعها بالنسبة لسيزيف ساعات وربما أيام، تلك هي لحظة الوعي والإدارك بالنسبة له، إدراك لاجدوى هذه المهمة القاسية.
لكنه لم يتوقف ولو للحظة عن تأدية هذه المهمة الخالية من المعنى والأمل، يقول كامو أنه في هذه اللحظة أقوى من الصخرة ومتفوق على مصيره، ذلك أن الوعي واليقظة يمنحانه القوة الكافية لتخفيف معاناته، الأمل في فهمه لهذه المهمة وفهم مدى عبثيتها. هذا ما جعل سيزيف لم يتخلى عن وجوده، ولو أن هذا الوجود في الجحيم، ورفض التخلي عن وعيه. ورغم أنه يعلم أن عمله بدون جدوى فقد قرر الاستمرار فيه من أجل عدم الوقوع في الجهل واللامبالاة. سيزيف اكتشف قوة داخلية تزوِّده بالأمل وسط اليأس والمعاناة، اليقظة التي هي في الأصل عذاب، جعل منها غداءً لنجاحه، وبفضل وعيه تجنَّب عيش مصيره بطريقةٍ مأساوية وخالية من المعنى.
علينا أن نتخيّل سيزيف سعيداً؛ سعيداً بتأدية المهمة الموكولة إليه، سعيداً بحفاظه على وعيه واستمراره في الوجود بالرغم من غياب الهدف والمعنى. السّعادة- بالنسبة لكامو- هي أن تقرر أن تكون سعيداً، وتبقى محافظاً على وعيك في الوجود، ولا وجود للسّعادة بدون وعي ومعاناة.
يقول كامو: “ولكن سيزيف يعلمنا الأمانة الأسمى، التي تنفي الآلهة وترفع الصخور. وهو أيضاً ينتهي إلى أن كل شيء حسن. وهذا الكون الذي يظل الآن بلا سيد، يلوح له غير عقيم، وغير تافه. فكل ذرة من تلك الصخرة، وكل قطعة معدنية من ذلك الجبل الذي يملأه الليل، بحد ذاتها تؤلّف عالماً. والصراع نفسه نحو الأعالي يكفي ليملأ قلب الإنسان، ويجب على المرء أن يتصور سيزيف سعيداً”.

أسطورة سيزيف تعلِّمُنا أهم واجب في هذا الوجود؛ أن نعيش وجوداً مؤلماً وغير مفهوم ونجد فيه قوة التمرُّد التي توصلنا للسعادة.

تعليق واحد

  1. عمل موفق…الإشكال الذي أعقب عليه ياصاحبي…يتعلق بمدى عبثية الرؤيا لدى كاموا فيما يخص عاقبة السعادة…
    السؤال ١) : إلى أي حد يمكن للمرء التشبث بإرادة السعادة، رغم وعيه الكامل بإنعدامها وخلود هذا الإنعدام؟
    السؤال ٢) : كيف أمكن لكاموا تصور سيزيف وهو سعيدة بتلك المهمة العبثية اللامتناهية التي تبعث عليها كرب النفس وغيض الروح؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى