نصوص

إنطوانيت الميتة.. بقلم: ملاك السويركي

قصة جديدة:

بقلم: ملاك السويركي/ فلسطين 

إنطوانيت الميتة

 إنطوانيت الحيّة

 إنطوانيت، اسم قديم، وليس بعربيّ، لمَ هذا الاسم؟ لمَ يا والدي؟ -سألتُ متذمرةً.

كان اسم صديقتي المقرّبة -ردّت أمي وهي تقلّب العجين المُحمّر على الصاج.

وأين هي الآن، ماما؟ -سألت مرةً أخرى.

سافرت إلى بلجيكا -ردّت أمي وهي تحمل العجين الذي بات خبزاً الآن.

من ذا المجنون الذي يترك القدس إلى بلجيكا؟ -تسائلتُ بتعجب.

خطفت أمي أنفاساً كثيرةً ومتتاليةً تنمّ عن غضبها المستعرّ وقالت بهدوء: دعكِ من الأسئلة السخيفة الآن، مددي العجين بشكلٍ بيضاويّ، ساعديني ولو لمرة!

تأففت بصوتٍ منخفضٍ كي لا تبدأ بالصراخ كالعادة وتقول: غادري المطبخ، ذاتاً لا أريد منكِ شيئاً، الله لا يحوجني لحدا.

وبدأت أمدد العجين بالشوبك، وعندما مددته كثيراً ورأيت أنني قد مزّقت القليل منه، ارتعبت، فسرقت عجيناً من العلبة وعوضت مكان الفراغ، حتى لا تلحظ أمي شيئاً، ولم تلحظ بالفعل، وعندما قاربنا على الانتهاء سألتني: اليوم حنة سليمة، جاية؟

رددت: طبعاً، فأنا إنطوانيت القمحية، أكسب العائلة المتعة في حفلاتهم وأفراحهم، وإن سيطرت أتراحهم ألطف أجواءهم، وإن أشتد الاحتفال شددت الشال على خصري ورقصت، ماما، من وين أجيب شال هلأ؟ أريد شالاً أحمراً يقلع الرموش.

سيّدة إنطوانيت، أصبحتِ صبيةً الآن، بمعنى أن حركاتِ كل عرسٍ واحتفال خلّديها في الماضي حيث أننا لا نريد أن يُقال أن إنطوانيت تعرض ابنتها للخطاب في الحفلات، أود منكِ الرزانة هذه المرة، وإن لم تفعلي..

خلص خلص، لا أحب نبرةَ تهديدك على الإطلاق، سوف أكون الرَزَان الذي تبغين، وعموماً أنا لستُ إبنة إنطوانيت، أنا إنطوانيت نفسها، إبنة السيدة بثينة، إبنتك.

كان اسمي إنطوانيت أيضاً في الماضي -تمتمت سيّدة بثينة.

~

بدأت جولة عذاب كل حفلة عائلية، أحكمت قبضتي على مفتاح خزانة الملابس وأغمضت عينيّ ملصقةً أنفي على باب الخزانة وهمست لها: سأنثر أوراقك على فرشة سريري، أتمنى أن تختاري ليَ أفضل ورقةٍ لأرتديَها أمام سمر إبنة عمي الشقراء المغرورة.

ها ها! وجدتك أيها الفستان الزهريّ! لم أرتديك مذ عرس نجوى إبنة عمتي قبل ثلاثة سنوات، لا يذكرك أحد على الأغلب.

قاطعتني أمي التي كانت تتمعنني بصمتٍ من زاوية الصالون وقالت: أمقاسك هو نفسه منذ أيام نجوى؟

ولما بدأت أدافع عن وزني المثالي، قاطعتني وقالت: أنتِ حرة أنتِ حرة.

أغلقت الباب، خلعتُ كل ملابسي، ودعوتُ ألّا يُحّمل الله أمي دعوى للشماتة بي: يارب ييجي على مقاسي.

وحينما كنت ألبس مستلزمات الفستان، كنت أدندن رائعة درويش المغناة من قبل مارسيل خليفة: وأنتِ الهوى الذي يتعرّى..أمامي..أمامي..كدمعِ العنب..

العنب!

نعم العنب!

 برق في ذهني تساؤل جديد عندما تذكرت العنب، وصرخت من داخل الغرفة مطالبةً أمي بالجواب: أمي، أتذكرين الفستان العنابيّ الذي جلبته عمتي سهير من الأردن قبل سنة وخبأتِه لي عندما وجدته كبيراً على مقاسي آنذاك، أين هو؟

ردّت أمي: في الشنطة الكبيرة تحت الخزانة.

ولما أردت سحب الشنتة، صرخت أمي بصوتٍ عالٍ: ألم تقولي للتوِّ أن مقاسك لم يتغير؟

عارٌ على أمومتك إن صدقتني، سيدة بثينة! -رددت.

أرتديته، كان جميلاً، فقط جميلاً، حينما كنت أرتديه، شعرت لوهلةٍ، إن رائعة درويش تلك، خاصةً ذاك السطر، كُتبَ لي.

~

ها هي العباة السوداء، وها هو الشعر المسدول، أمامي يا ماما لو سمحتِ.

شدّت أمي لهجتها وقالت: تذكري، كوني رزينة!

ماما توقفي، ما بالك اليوم متأنقة أكثر من اللازم؟

إننا ذاهبون إلى حنةٍ، إن نسيتي -ردّت بهدوء.

غير المعتاد -تمتمت بيني وبين نفسي.

دخلنا في حارة النصارى في القدس، تلك الحارة المليئة بالمسيحيين مع أقليةٍ مسلمة ينتمي لها خطيب سليمة، ستقام الحنة في سطح منزله الفسيح، والذي يقابله سهرة الشباب في شرفة المنزل المقابل، منزل السيد أدونيس، جار خطيب سليمة

ولما بدأت ألاحظ أطراف عباياتٍ سوداء في الزقاق، وأسمع أصوات رجالٍ جهورة تتدفق من عمق صدورهم، علمتُ أننا وصلنا، وقبل أن نختفي خلال باب منزل أم عائد (خطيب سليمة)، سمعتُ صوتاً ينادي من بعيد: إنطوانيت، كيفك؟

فالتفتّ، ولم أعرف هذه المرأة، وعندما أردتُ أن أستنجد بأمي كي تقول لي من هذه المرأة الغريبة التي تعرف اسمي، وجدت رداءً ملوناً غير رداء المكياج يكسو وجهها، ورأيتها تتقدّم عني لتضع كفها في كفّ المرأة الغريبة وترد بصوتٍ حرج: الحمدلله.

وبقيت أحدق فيهما بصبرٍ كي أعرف بقيةَ هذه المسألة المحيّرة، وعندما لاحظتني تلك الغريبة ذات قلادة الصليب فوق الصدر قالت: هاي الصبية الحلوة أكيد بنتك.

فبادرتُ وقلت: عفواً يا خالة، أنا إنطوانيت ولستُ أمي، أمي اسمها بثينة.

وكما تساعد أغشية الظلام في التسترِ على الجرائم، ساعدت هذه المرة أمي كي تقرصني دون أن يرى أحد، ولما لم ترد تلك المرأة على تصحيحي لمعلومتها وأرتدى الموقف السكوت، اخترت أن أبقى صامتةً، حتى قاطعت تلك السيدة الصمت الساكن وقالت بضحك: باركوا لإم عائد، والله أنا أمي عيانة وبقدرش أسيبها، مبروك يا رب.

وانتهى ذلك اللقاء الغريب، ولم أسأل أمي شيئاً، أعتقدت أن قرصتها عنت أن تلك المرأة مجنونة ولابدّ من مسايرتها، التقطت أنفاسي قبيل لقاء القبلات القادم، العمات والخالات وبنات العمات وبنات الخالات كثر، لابدّ من تجهيز وجنتيّ.

وقفت أمي عند باب السطح وأخذت تحدّق بالموجودين لبرهة، فدفعتها لتدخل كي لا نغلق الممر بجسدينا أمام من بعدنا، وعندما بدأنا نسلم، لاحظت أن الزوار من المسيحيين لم يلتفتوا إلينا، وأشاحوا بوجوههم عنا عندما دخلنا، وعندما حاولت أن تنهض إحداهن بابنها الرضيع قائلةً: إنطوانيت أهلاً، شدّت قريبتها يدها وأجلستها، واكتفت أمي بالردِّ عليها بابتسامة رسميةٍ باردة.

ماما، لمَ ينادونك باسمي؟

همست بهدوء: بعدين، بعدين.

وعندما أحست خالتي زكية بالتوتر الذي أصاب الجلسة، بدأت تنادي عليّ أنا وسمر لدائرة المتعة، قائلةً: إنطوانيت وسمر، تفضلنّ إلى الفقرة المعتادة.

خلعت العباة وبدأت بالضحك على خفةِ دم خالتي زكية، وبينما كنت أمشي بين المعازيم وصولاً إلى دائرة المركز، سمعت إحداهنّ تقول: شفتي، طلعت مسمية بنتها إنطوانيت، ما أجرأها.

فوقفت في مكاني وعقدت حاجبيّ ملتفتة إليها ومكتفيةٍ بنظرة الحيرى المسكينة.

بدأت فقرة حوار السمرا والشقرا، كنت قمحية اللون وأخذت دور السمراء، وكانت سمر شقراء الشعر فأخذت دور الشقراء، هذه الفقرة مأخوذة من أغنية من التراث السوريّ واسمها “تعي على الفي”.

أخذت سمر تلف خصلات شعرها بحركات دائرية مزعجة وتغني:

والبيضا قالت

أنا ست الكل

أنا على صدري بفتح الفل

روحي يا سمرا سمارك بحلّ

خرجك البرية نرميكي بالفي

وتجاهلت تحذيراتِ أمي، فربطت شالاً أحمر اللون فوق الفستان العنابيّ، وأخذت أقول وأنا أحرك قبضتي في باطن يدي الأخرى بحركات دائرية كي أضايق سمر كما فعلت بي وغنيت:

والسمرا قالت

أنا أخدت الفوز

أنا على صدري بكسر جوز ولوز

روحي يا بيضة يا شعرك شعر جوار

بتروحي عالحمام ما بينبل بميّ

ثم غنى الجميع معنا:

تعي ع الفي

تعي ع الفي

بدي شوفك لحظة بالله استني شوي

ضحك الجميع عندما انتهينا، حتى أمي التي كانت عابسة منذ قدومنا إلى هنا كانت تضحك من همسات النساء المادحة إياي، ولما جلست بجانبها قلت لها مازحةً: حينما أعود ستشرحين لي قصة إنطوانيت هذه.

فردّت بتوتر: قصة تافهة، مزحة، لا تعبثي بها.

جلست نصف ساعةٍ مع الفتيات أطل على السطح الذي تقام فيه سهرة الشباب، كنا نتغزل ونخبئ وجوهنا خجلاً، وكان أسوأ كدرٍ في مثل تلك الليلة أن نجد شاباً جميلاً فيتضح بنهاية المطاف أنه مسيحي، فنأخذ بالتحسر على وردة شبابه التي لن تعبث رائحتها بأنوفنا، ثم ننتقل لغيره.

أين أمي؟ -سألت خالتي زكية.

ذهبت إلى الغرفة التي في الأسفل مع خالتك صدّيقة تتحادثان كالعادة. -ردت.

~

فضحوني أمام إبنتي، ينادوني إنطوانيت، وتلك البنت لا تكفُّ عن سؤالي لمَ، ماذا أقول لها؟ أأقول لها ما يجعلني قدوة سيئة بنظرها؟

أأقول لها أنني أحببت شاباً من غير ديانة أيام الصّبا، وأنه كان يناديني إنطوانيت لأنه رأى أنني في كفّة وباقي البنات في كفّة أخرى، والأدهى من ذلك أن هذا الرجل يبعد عني الليلة عشرة أمتار على الأكثر، سيّد أدونيس، تعمّد أن يستضيف الشباب في سطح بيته كي يلفت أنظاري ويذكرني بقسوتي معه.

أكاد أجزم أنه أمسك قسوتي معه وقذفها في قلب أهله، أرأيتِ كيف كانوا ينظرون لي ولإبنتي عندما دخلنا؟ ودّت السيدة رينا أن تحوّل رموشها إلى سكاكين وتقذفني فيهم، عيب عاد، لن أسرق لها زوجها، كبرنا على هذه الأحاديث، أملك زوجاً وخمسة أطفال أصبحوا شباباً وصبايا الآن، عيب كتير والله!

وإذ بي أحرك حجراً من غير قصد، لتشدَّ خالتي صدّيقة الباب وتراني

كلانا -أنا وأمي- نحدق بوجوه بعضنا البعض، لم أقل شيئاً البتة ولا حتى بررت سبب وقوفي واستماعي لكل ذاك الحديث الذي كان يجب أن يبقى سراً، ليتني لم أستمع!

كان ضوء النيون بجانب الارتباك الذي سببه وجودي قد جعل وجه خالتي وأمي شاحبين، سألتْ خالتي: من متى أنتِ هون؟

رددت: أتيت الآن، عندما أزحت الحجر، وددت أن أرى أين أمي، لا عليكم، سأعود إلى الحفل.

وعندما بدأ يتلاشى ظلي على الدرج، وارتفعت أكثر فأكثر، لمحت وجه خالتي أسفل الدرج يراقب إن كنت أتنصت أم لا، ظللت إلى آخر الحنّة صامتة مذهولة، أمي القاسية كانت يوماً ما عجيناً ليناً، أحبت، بل تمردت، بل جُنّت

كيف تحب من غير ديانة؟ كيف لها أن تحب أصلاً في وسط بيئة محافظة كهذه؟ لا بد أنها استنزفت كل عواطفها في تلك المرحلة فلم يبقَ لها شيئاً الآن سوى الغضب العارم واللامبالاة، أو..أو هذه المشاعر السيئة هي نتاج ذاك الحب، أودُّ أن لا أحرم الإجابة، يا ربِّ يكاد الفضول يفتت أحشائي.

جاءت أمي على غفلة وهزت كتفي قائلةً: أباكِ ينتظرنا في الأسفل، يلا.

رمت لي عباءتي وأخدت ترتدي خاصتها، وعندما باشرنا بالخروج اصطدمنا بعينيّ السيد أدونيس، كان ينتظر أطباق الكنافة، نظر إلى أمي لكنه سرعان ما حوّل وجهه نحو أطباق الكنافة التي وصلت، أخذت أنظر إليه تارةً وإلى أمي تارةً أخرى

هيا، إلى السيارة -صرخ أبي مقاطعاً الجو المخنوق الذي ساد المربع.

وركبنا بالفعل، وكلما حاول أخي عزيز تلطيف الأجواء داخل السيارة، وجد أن محاولاته ناجحة مع الجميع إلا مع والديّ، كانا صامتين، هادئين، بملامحٍ أبرد من الثلج، وأقسى من الصوّان.

وعندما عدنا، وذهب الجميع للاستحمام عدا أبي، سألته بهدوء:

من إنطوانيت، أبي، من؟

ظلوا ينادون أمي بذاك الاسم هناك، ويقولوا انظروا سمّت ابنتها إنطوانيت

لمحت وجهه غاضباً ومرتبكاً، وقال:

لقب امتلكته أمك حينما كانت بمثل عمرك، وارتأت أن تعطيَه لك اسماً، ناوليني زجاجة المياه.

سألته مرة أخرى وبيدي الزجاجة، ولمَ تلقّب أمي باسمٍ مسيحيّ؟

خرجت أمي من الحمام وهي تجفف شعرها باتجاهنا بحواجبٍ معقودة، فرمى أبي الجريدة على الطاولة ومرّ بجانبها وقال لها: أسعيدة الآن؟ متى ستنتهي مراهقتك، أصبحتي أماً يا هذه!

فاحمرّت عيناها، وصرخت عليه قائلة: جواد، إلى الغرفة لو تكرّمت!

دخلت إلى غرفتي، لم أجرؤ حتى على البقاء لاستراق السمع، وأخذت أكتفّ أصابعي متمنيةً لو أنني لم أسأل أبي سؤالاً عرفت جوابه اليوم بالصدفة، وبعد ساعتين من الصراخ، خرجت أمي أخيراً من الغرفة بصوتِ نحيب مؤلم مقتحمةً غرفتي وبيدها حقيبة وأغلقت الباب وراءها وقالت بصوت هادئٍ مليء بالدموع: اقرئيها، واعملي بها، سأقضي الليلة عند خالتك.

خرجت أمي من البيت، ولحقتها إلى الباب، ولما لم يبقَ من أثرها سوى صوت النشيج الخافت وطرف العباة، تذكرت أنها لم تحدد لأي خالةٍ لجأت فقلقت، أردت أن أعرف أين ستنام الليلة، وأي مخدةٍ ستقبل وجنتها الباكية.

ولجت إلى داخل غرفتي راكضةً وأغلقتها بقوة، ظللت أصلي وأنتحب قبل النوم داعية أن يدوم ظل هذه العائلة ملاحقاً لقامتي في الشارع، ونمت..

~

يا ربِّ ما هذا البرد -قلت بحلقٍ جاف.

استيقظت على أطراف متجمدة وسط الليل، كنت أتوسل لأجل غطاءٍ آخر، ولمّا قمت لأتناول الغطاء، اصطدمت ركبتي بحافة الطاولة، هذه المرة بكيت من الألم ومن البرد، وحينما خفّ الوجع رميت نظراتٍ حاقدة على الطاولة

الرسالة..

“اقرئيها، واعملي بها” صعقَ صوت أمي عقلي من جديد.

فتحتها، كانت ورقة عادية، مغبّرة ولكنها عادية، ليست بالية إلى هذه الدرجة

~

“بذرة الحبِّ الميّت تخلق حباً ميتاً” -يقول أدونيس.

ما رأيك يا إنطوانيت؟

لنرمِ مواساتي لنفسي وقسوة أدونيس لنفسه على جانب، ونرى

أدونيس -ذات مرة في طريق السيدة- قبض على خصري بيده، وهمس: “يا إنطوانيت، بذرة الحبِّ الحي تبقى، بذرة الحبِّ الميّت تخلق حباً ميتاً”.

ولكن، حينما كبرت، وأيقنت أن زواجي أنا وأدونيس سيؤدي إلى فتنةٍ بين الحارات والعوائل، دققت على صدره وقلت: حبنا عندما يعيش، سيقتل، وحبنا عندما يموت، سيحيي.

لما كنت حبيبته، كنتُ أملك اسمين، بثينة وإنطوانيت، إنطوانيت خاصته، الاسم المسيحي الذي أحبه فيني، لعنة الاسمان، نعم.

إن كنت أحمل اسماً واحداً كنت لأتزوجه، ولكن اسم بثينة سبق إنطوانيت، والإسلام سبق المسيحية، والحبُّ عند الله غير الذي يعرفه الناس.

عندما كنت بثينة، كنت أذهب إلى الجامع فأطلب أدونيس من الله

وعندما كان يقبض أدونيس خصر إنطوانيت خاصته في طريق السيدة، كنت أذهب إلى الكنيسة، فأطلبه من الله الذي هناك أيضاً.

إنطوانيت، أنا لن أسمح لكِ بالتفكير في جملته حتى، ولْتعلمي شيئاً

حيثما يكنِ الحب، يكنِ الله، والعكس

سميّتك إنطوانيت لأثبت لأدونيس أن بذرة الحب الميّت تخلق حباً مشتعلاً مجنوناً أكثر من الذي قُتِل، لم تعودي صغيرة، كنت أركض وراء أدونيس في شوارع حارة النصارى حينما كنت بعمرك، أنا لا أطلب منكِ أن تسلمي خصرك لقبضة شابٍ مسيحيّ، إنما أطلب منكِ الجسارة في الحب

عندما تخليتُ عن أدونيس، لم أكن أنانية تجاهه ونفسي، وكل الذين خفت أن يموتوا إن تزوجنا هم ميتون الآن، كلنا نموت، والمأساة تكمن حينما نختار كيف نموت ولمَ، إن كنت عضضت كل الأيادي التي أوجبت فراقنا أنا وأدونيس، لم أكن لآبه كيف سأموت بعدها، ولكنني -وفي الأيام الأخيرة- بدأت أهتم لطريقة موتي كثيراً.

أن أموت على فرشة مهترئةٍ بجانبها صفوف من أدوية الضغط والسكر، هذا هو مصيري الذي كتبته بيديّ، في مرةٍ كان لدي خيار أن أموت لأجل الحب، ورفضت جبناً، أريد أن أعود لأخبر نفسي التي هناك ألا ترتبك ولتسر نحو قبور الموتى وتهمسْ في أجسادهم: جاءت العروس، جاءت إنطوانيت خاصةُ أدونيس.

 لكنني لم أفعل، ولم أسر نحو قبور الموتى، ولم أصبح عروساً لأدونيس، وسوف أموت على فرشة يأخذ دواء الضغط المتناثر فيها مساحة فوق صدريَ الجاف، صدريَ الذي حرمتُه من أن يلامس شعر أدونيس كل العمر.

عزيزتي إنطوانيت،

لتعلمي أن الحب سبيل الشهادة الأقرب والأكثر إيلاماً، إن كنت أنا بثينة وإنطوانيت، فأنتِ إنطوانيت فقط، بذرة الحبِّ الميت الأكثر اشتعالاً وجنوناً،

لأشهد بذرات حبِّك الحية، آمين.

-من بثينة..أو إنطوانيت

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى