ثقافة

حول مقولة “موت القصة القصيرة”: د. عبد الرحيم حمدان

إضاءة حول مقولة “موت القصة القصيرة”

بقلم د. عبد الرحيم حمدان

في إحدى الندوات الأدبية التي تناول جانبٌ منها أساليبَ السرد في القصة الفلسطينية القصيرة أُثيرت قضية أدبية تتمحور موت القصة القصيرة – احتدمَ النقاش والجدل بين الحاضرين، الذين انقسموا فيما بينهم إلى مؤيدٍ ومعارض، إذ أشار فريق المؤيدين إلى أنَّ القصة القصيرة آخذة في الاحتضار والموت، وأبانوا أن الاهتمام والعناية في هذا الوقت قد أخذ يتجه نحو الاهتمام بإبداع الرواية بدلاً من الاهتمام بالقصة والشعر، وأن هذا الزمن هو زمن الرواية، ومما يعضد هذا الرأي أن بعض الشعراء قد أخذوا يعزفون عن كتابة الشعر ويتجهون نحو كتابة الرواية، وأن المسابقات الكبرى والجوائز تخصص للرواية مثل مسابقة كتارا وغيرها، وضربوا لذلك مثلاً بالشاعر إبراهيم نصر الله، وأضافوا إلى هذا المثال اتجاه بعض النظريات النقدية إلى القول بأنَّ نظرية موت المؤلف قد انسحبت على موت فن القصة القصيرة في الوطن العربي، وأن دور القصة القصيرة آخذ بالتراجع والانحسار، وأن وظيفتها الفكرية والاجتماعية قد تغيرت.

والواقع أن ما صدر عن الفريق المؤيد من وجهات نظر وآراء وأحكام. إنما هي أحكام متسرعة، تعود إلى غياب المفاهيم الدقيقة للإبداع القصصي، وإلى سوء فهم بعض مناهج النقد الأدبي الحديث واتجاهاته التي لم يُحسن نقلها عن لغتها الأصلية، ولم يُحسن التعامل معها؛ نظراً لاختلاف ظروف الحياة والواقع المعيش.
فالقصة القصيرة – في وكدنا – لم تمت، شأنها في ذلك شأن سائر الفنون الأدبية، ربما تكون القصة القصيرة قد تراجعت، وضعفت أو خَفتَ صوتها، و خبا بريقها، في بيئة عربية ما، فإن ذلك لا يعني أنها قد تراجعت في سائر الأقطار العربية، فقد ترددت على سبيل المثال في بلادنا من زمن قريب مقولة مفادها: أنَّ غزة تصدر البرتقال والقصة القصيرة معاً. وأن القصة القصيرة تعيش في بلادنا حالة من الازدهار والنمو، وأن عدداً من كبار الأدباء فضلاً عن ثلة من الشباب والشابات ما زالوا يواصلون كتابة مثل هذا النوع الأدبي الجميل وإبداعه بمهارة وبراعة وإتقان؛ وأن المجموعات القصصية ما زالت تترى، تطبع وتنشر، وإن كانت في كثير من الأحيان لم تجد من اهتمام النقاد اهتماما ومتابعة؛ الأمر الذي يشجعها على الشيوع والرواج خارج ساحتهم المحلية، شأن الشعر، الذي أخذ يحظى بقدر من الاهتمام بعد سنوات من التجاهل والإهمال غير المتعمد لا سيما في هذا الوقت بعد العدوان الصهيوني الغاشم على بلادنا في غزة.
وما زال الكتاب المبدعون يصدرون مجموعاتهم القصصية من أمثال: غريب عسقلاني، وعبد الله تايه. ومحمد نصار، ويسري الغول، وعمر حمّش، وغيرهم كثر، ومن الشباب سجى حمدان وآخرون.

لقد نجحت القصة القصيرة في تجديد أساليبها، وتحديث آليات التعبير عن قضايا الإنسان، وقد واكبت التحولات والتغيرات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، فالقصة القصيرة قريبة من روح العصر، تمكنت من أن تطور تقنيات بنائها الفني، ووسائلها التعبيرية من حيث التكثيف والتصوير والسرعة، وتعدد الأصوات، والبناء الدرامي، وإضاءة المسكوت عنه داخل الروح البشرية المظلمة. وهكذا يتبين أن القول باحتضار القصة القصيرة غير مقبول وغير مقنع؛ لأنه يحتاج إلى نظرة تحليلية متعمقة لفهم أبعادها، فالقصة القصيرة هي ابنة الحياة، ولدت لتحيا وتنمو وتتطور وتستمر في العيش.

وفي الختام، فإن الرأي الصائب الذي نؤمن به هو أن تحليل الظواهر الفنية والأدبية ينهض على الإيمان بأن الفنون تتطور ولا تموت. فسيظل للشعر دوره، وللفن السردي دوره، وللمسرحية دورها، وكل هذه الفنون تتفاعل معاً وتؤدي دورها الخاص بها، مهما اختلفت الأزمان، وتغيرت الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى