ثقافة

الأدب العربي والأدب الغربي

الأدب العربي والأدب الغربي

بقلم: نصر أبو بيض

لربما للوهلة الأولى يكون العنوان ليس مناسبًا للمقارنة، ولكن وجب على أحدهم أن يتحدث بروّية عما يحدث الآن في عالم الأدب، السؤال الأكبر هو ( لِمَ يقتبس مثقفونا ويعتدوا بالكتّاب الغربيين أكثر من الكتّاب العرب!)، لوهلة نشعر بأن السؤال عبارة عن صدمة، وكذبة لا يمكن تصديقها، ولكن هذا هو الحاصل الآن..

برأي يعود الأمر لأسباب كثيرة، وأولها ظهور المستثقفين (أصحاب الثقافة من قراءة اقتباس واحد) حيث نجد بأنّ القارئ منهم يقرأ اقتباسًا واحدًا أو عشرة لكاتبٍ غربي لا يعرف عنه سوى اسمه ويظلّ يشيد بهِ وينقل العدوى لمن هم أقل قراءة ومعرفة منه، فيتبنّوا رأيه وهكذا حتى تكبر الدائرة ويُطمس على قلوبهم بالمعرفة وتقتصر على ما قرأوا من اقتباسات عابرة! حيث أنّ مثقفنينا يحتاجون لأكثر من قراءة اقتباسٍ عابر،يحتاجون للقراءة بعمق ومعرفة أكبر، في الأوقات الراهنة التي نعاني فيها من الفقر الأدبي والتسويف للمشهد الثقافي فإننا أصبحنا أسرى لكتّابٍ أجانب لا نعرف عنهم سوى أسمائهم ورغم ذلك نجد غالبية المثقفين يميلوا لاقتباس كلماتهم وهذا أعجب العجب.

الجهل بالبيئة وما يدور حولنا أشبه ما يكون بالمشي في صحراء خالية، لا بدّ لنا من مواكبة الأدب والحديث عنه. لطالما كان سبب نهضتنا كأمّة عربية، ولطالما كان سلاحًا يُعتّد بهِ ويعوّل عليه، فالأمراء والخلفاء كانوا يضعون الشعراء والكتّاب موضعَ اهتمامٍ جليل، ويخصّصوا وقتًا خاصًا للاستماع لهم ومعرفة تطورهم، إنّ الاهتمام بالشعر والأدب عمومًا له انعاكسٌ لامع، إذ هو أكبر سبب لتطورنا باللغة الأًصيلة، وتأصيل فكرة القتال والمجاهدة بالأقلام، وأنّ قوة الكلمة لا تقل عن قوّة الرصاص، حيث أنّ اقتصار الأدب على شريحة معيّنة من المجتمع لهو قتل لروحه دون الشعور بذلك.

يرجع التقصير في ظهور كتّابنا العرب على الساحة الأدبية – سواء الجُدد منهم أو القدماء – هو عدم التعريف بكل كاتب بالشكل الكافي في مناهجنا وكتبنا المدرسية والجامعية، وكثرة الهموم السياسية والاقتصادية التي أصبحت حملًا ثقيلًا فوق كاهل الجميع، إذ إنّ التفكير في لقمة العيش أهم من غذاء العقل بمعرفة الحقيقة، ولكن لا أرى بأنه يجب أن يكون هذا مبررًا لِتَهاون من هو مسؤولًا عن الدور الثقافي في التعريف بالأدب العربي ووقت ظهوره، ومعرفة أوقات ازدهاره، ومَن هم قادة الأدب، وأن يخطو البعض – ممن يهتموا – بالأدب وأحواله في هذا الطريق، أعتقد بأن إعداد جيشٍ من الكتّاب والشعراء والروائيين لمجابهة كل ما نمر به من احتلال وظلم لا يقل اهتمامًا من إعداد جيش مسلّح..

لربما تبدو الفكرة مجنونة بعض الشيء، ولكن تفشّي ظاهرة حضور الكتّاب الغربيين – مَن مات منهم أكثر من الأحياء – في أوساط العربية لهو أكبر تهميش لأصل الأدب العربي بأشكاله المختلفة، ولهو غزو غربي واضح الأركان، ولا أقصد بأن نكون جهلاء بالأدب الغربي، بل علينا دراسته ومعرفة أحواله أيضًا، فالمعرفة رأس الحربة، ولكن ما يحدث الآن هو تفضيل للأدب الغربي على الأدب العربي في الظهور وقوة الحضور، وذلك ليس لقوة الأدب الغربي – الذي لا ننكره – بل لضعفنا في تثقيف أنفسنا ومَن هم في بيئتنا بحالة الأدب العربي في شتّى أحواله وعصوره، وعدم الاهتمام بكتّابنا الجدد الذين يسعونَ جاهدين في إحياء روح الأدب في أيامنا هذه.

من جديد بدأ تشكّل النوادي الثقافية والأدبية في أحياء المدينة والدول المجاورة، حيث أشعر أننا عدنا لعصر نازك الملائكة ومحمود درويش والسيّاب ونجيب محفوظ وغسّان كنفاني، حيث أننا أصبحنا نهتم كأفراد في إحياء الأدب أكثر مما تفعل الجهة المسؤولة عن ذلك، لا ننكر بأن هذه الجهود لها سبب كبير في بثّ الروح الثقافية من جديد، ولكن يبقى النّفث في بالون مثقوب هو الجو السائد لهذه الجهود، ما دام ليس هناك راعٍ يتكلّف بالاهتمام بكل هذه المواهب على الساحة الأدبية، فسيبقى الأدب مدفونًا في صدوره محبّيه، ويبقى الصوت الأعلى لذلك الصدى الذي جاءنا من الغرب، وسنبقى نحسبه الأقوى وله الأَنفة العظمي في طمأنة قلوبنا ولجم أفواهنا، ولربما في ثوراتنا القادمة – إن شاء الله – والتي لا أحسبها ستحدث ستكون هي شعاراتنا الرنانة…

مرّ الأدب العربي في عصورٍ عدة بالتّجهيل والتهميش، ولكن ككل مرّة يعود أقوى فأقوى. في هذه الأثناء والعصر الذي نعيشه، فإننا نعيش أسوء عصور التجهيل باللغة والأدب عمومًا، حيث اعتمدنا اللغة العامية، مات صوت الأدب في أمسياتنا، غاب الدور المسؤول من المشهد الثقافي وأصبحت الساحة خاليًة أمام الدكاكين الأدبية والتي ستكون معولَ هدم كما كانت دكاكيننا الحزبية. نحن لا نحتاج لكثير من الأحزاب ليعلوا صوتنا ضمن حزبية مقيتة واستماتة لأجل أحد، يكفينا صوتٌ واحد، ويدٌ واحدة تأخذ بنا حيث منصة الارتقاء، لا نحتاج للمادة لنكبر، نحتاج للتقدير، للاهتمام، للشعور بأن الكاتب له مقامه وتأثيره في بيئته وعلى قضيته وفي قضيته أيضًا، حيث أنّ شعور الكاتب بالتهميش لهو أكبر سبب لعدم بذل مجهود في في حضوره في أي محفلٍ أدبي وهو سبب إعدامه بلطقة التجاهل.

نصر أبو بيض

23 يناير\ 2022

زر الذهاب إلى الأعلى