ليلى قيسِ المجنون… شعر: المتوكل طه

ليلى قيسِ المجنون
(قَبِلتِ بغيرِ العاشقِ يا ليلى)
(مالي والشِعرُ!أنا للفارسِ يأخذُني..للزلزال)
شِعر: المتوكل طه
***
كان يمرُّ بعيداً،
يركضُ حتى يأخذَهُ الدّنَفُ.
هل مسَّتهُ الوديانُ الحمراءُ!
أقولُ: لقد جُنَّ، فلا أُذنٌ تُبصِرُ،
لا عينٌ تعرفُ أين الأصداءُ الرَجْراجةُ،
ومضى..
لم يسمعْ إذ صِحتُ به: يا قيسُ تعال!
وأخنسُ وحدي، أبكي، أنظرُ ثوبي،
أشهقُ من رَعْدةِ كفّي،
أكرهُ ضوءَ سراجِ البيتِ،
وأُلقي بالطِّيبِ، وأمسحُ كُحلَ العينِ،
ويَرعُفُ أنْفي..
وكأني نِمتُ على كَفنٍ..
فإذا بِغَمامٍ في النومِ يقولُ:
قَبِلتِ بغيرِ العاشقِ يا ليلى؟
مَنْ هامَ وغام! وقد أخذتهُ الصّبوةُ..
مَن كان يُضَفِّرُ جَمْرَ البستانِ نجوماً
ويجَمِّعُ أسرابَ فَراشٍ
ليعلّقَها في أغصانِ يديكِ،
.. وتبدَّل حالُ الأحوال!
أَما قُلتِ: صغاراً.. كُنّا
فانشطرَ القلبُ إلى نصفين،
وأنْبَتَ وردتَه المجنونةَ..
كانت شَجواً وجَوىً ،
وتحرَّقَ باللوعةِ فيكِ،
تَبلبلَ وتَسهَّدَ وترمَّدَ .. حتى غابَ عن الظَّنِ
وصار خيالاً..
كيف؟
فقلتُ: الغَمْرةُ والغَفلةُ!
كنتُ على صورةِ وَجْدٍ،
فرأيتُ خديعتَه قد لبست ألواناً غيري..
فمضيتُ إلى غيرِ سبيلٍ،
بنقوشي وغنائي وحداءِ هوادجَ مَنْ جاءَ ليخطِبَني،
لأكونَ قرنفلةَ الشوقِ..
وهل أقبلُ بالحِمْلِ إذا مال!؟
لقد كان ضعيفاً،
يبكي مثلَ حليبِ المَهدِ،
ولم يحملْ سيفاً،
لم يغضبْ بالقوسِ،
ولم يجأرْ بالفَرَسِ،
وأوَّبَ بالشّغفِ الشِّعرِيِّ.. بَراهُ!
فكان ظلالاً قبل ظلال..
مالي والشِعرُ .. أنا للفارسِ يأخذُني
من أصدافِ الخِدْرِ إلى الزلزالِ!
.. ومَنْ كان حبيبي كان يُحدِّقُ،
منذُ نعومةِ قلبيْنا بكواكبَ مُطفأةٍ
أو يتبعُ رَسْمَ غزالٍ..
أغضبُ!
فأنا امرأةٌ؛ مَنْ سوف يراني، ليراني كاملةً في العاجِ،
ومن أَعْمَتْهُ الصُورُ فإني شمسُ الوَلَهِ ..
وذاكَ المجنونُ استمرأَ صورتَهُ أنْ صارَ مثالاً للتَيْمِ.
ولو أنّا كُنّا قد أتْمَمْنا الوُدَّ لَرَاحَ المعنى،
والسِّرُ بأنْ نكذبَ ونصدِّقَ فريتَنا المعهودةَ..
والعاشقُ يعني أن يبقى في الشّجَنِ،
وأن يتركَ سُخريةَ الأطلالِ،
وينسى شِعرَ العُذريين..
– لقد كذبوا –
حتى أنّ نساءَ الصحراءِ بكينَ من الظمأ،
وجفّتْ أثداءُ الآمال…
وهذا الكَلَفُ يكونُ بأنْ تأخذَ مَن تهوى،
أو تسقطَ مثلَ النيزكِ في شريانِ جدائلِها..
والعشقُ سماءٌ أنتَ الشاعرُ في صفحتِها،
والمعشوقُ قصيدتُكَ الأحلى ،
والنيرانُ تدبُّ وتأخذُ رشفتَها المحرورةَ،
وتكونُ جواباً دون سؤال.
وهيامُ العشّاقِ السائدُ كَذِبٌ حُلوٌ،
لا أرضَ لتلكَ المُفردةِ،
فما مِن مصعوقٍ إلا ذابَ وغابَ.. ولا أثر له في الدنيا.
والصّبُّ فناءٌ وتَماهٍ، واللّفْحُ زوال..
وألّا يبقى في شبّاكِ الخُلَّةِ أيُّ مُريدٍ أو أبدال.
والمجنونُ الكاذبُ، مَنْ ليس حبيبي،قوْلٌ
لا يُغني أو يُبرئُ من جُرحٍ..
ولعلي أكرهُ قيسَ العشقِ،
وأعشقُ قيسَ الشِعرِ..
وإنّي سوفَ أُلاحِقُ خطوتَهُ وهو يعوجُ إلى الحَيِّ ، ويسمعُ
إنْ صِحتُ به : يا قيسُ تعال!